للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الماوردي: هذه الأمور كلها إنما تشترط فِي جواز قتالهم، واعتبر الجويني أمرين آخرين؛ أن يمتنعوا من حكم الإمام؛ وأن يُظهروا لأنفسهم حكمًا.

وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأيَ الْخَوَارِج، أي وهم صنف من المبتدعة، كَتَرْكِ الْجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيْر ذِي كَبِيْرَةِ وَلَمْ يُقَاتِلُواْ تُرِكُواْ، لأن عليًّا جعل حكمهم حُكم أهْلِ الْعَدْلِ بقوله: (لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثَةٌ: لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ تَذْكُرُواْ فِيْهَا اسْمَهُ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيْنَا فِي أَيْدِيْكُمْ، وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ) (٢٠٨)، نَعَمْ؛ إن تضرر بهم المسلمون، قال القاضي حُسين: قال أصحابُنا: نتعرض لهم حتى يزول الضرر، والمرادُ بتكفير ذي كبيرةٍ: أن اعتقادهم أنَّ مَنْ أتَى كبيرةً من الكبائرٍ فقد كَفَرَ وحَبِطَ عملهُ وخُلِّدَ في النارِ، وأنَّ دار الإمام صارتْ بظهور الكبائر فيها دار كفرٍ وإباحةٍ، فلذلك طعنوا في الأئمة ولم يصلُّوا خلفهم واجتنبوا الجماعات والْجُمُعَاتِ، وَإِلا فَقُطَّاعُ طَرِيْقٍ، أي وإن قاتلوا فحكمهم حكم قطاع الطريق.

فَصْلٌ: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ، بناءً على أنهم ليسوا بفسقة، وَقَضَاءُ قَاضِيْهِمْ فِيْمَا يَقْبَلُ قَضَاءَ قَاضِيْنا إِلَّا أَن يَسْتَحِلَّ دِمَاءَنَا، لانتفاء العدالة إذًا وهي من شرط القاضي، قُلْتُ: وإلّا أن يكون من الخطابية الذين يقضون لموافقيهم بِتَصْدِيْقِهِمْ إذا قضى لموافقيهم كما تُرَدُّ شهادتُهم (•)، وَيُنَفِّذُ كِتَابُهُ بالْحُكمِ، جوازًا (•) أي وإن كان المستحبُّ أن لا تُقْبَلَ استخفافًا بهم، وَيَحْكُمُ بِكِتَابهِ بِسَمَاع الْبَيِّنَةِ فِي الأَصَحِّ، لأن الكتاب الذي يَرِدُ له تعلُّقٌ برعايانا. وإذا نفذنا حكَم قاضيهم لمصلحة رعاياهم، فلأنَّ نراعي مصالح رعايانا من باب أولى، والثاني: لا؛ لما فيه من معاونة أهل البغي وإقامة مناصبهم، وقوله (فِي الأَصَحِّ) تبع فيه الْمُحَرَّر وخالف في الروضة فعبَّر بالأظهرِ تبعًا للشرح.


(٢٠٨) رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب قتال أهل البغي: جماع أبواب الرعاة: باب قوم يظهرون رأي الخوارج لم يحل به قتالهم: الأثر (١٧٢٣٣).
(•) في النسخة (٢): إذا قضَى لِمُوَافِقِيْهِ كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ.
(•) (جوازًا) ساقط من النسخة (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>