وَلَوْ أَقَامُوا حَدًّا؛ وَأَخَذُواْ زَكَاةً؛ وَخَرَاجًا؛ وَجِزْيَةً؛ وَفَرَّقُوا سَهْمَ الْمُزتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ صَحَّ, لأن في إعادة المطالبة اضرارًا بأهل البلدة، وَفِي الأخِيْرِ وَجْهٌ، لئلا يستعينوا به على البغي, والأصحُّ الصحة؛ لأنهم من جند الإِسلام؛ وإرعابُ الكفارِ حاصل بهم؛ وفي الجزية أَيضًا وجه حكاه الرافعي، وفي الزكاة وجه حكاه القاضي: أنَّهم إن أعطوا اختيارًا من غير إجبار لم يسقط عنهم، وَمَا أتلَفَهُ بَاغ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إِن لَمْ يَكُنْ في قِتَالٍ ضَمِنَ، جريًا على الأصل الممهد في قصاص النفوس وغرامات الأموال، وَإلَّا فَلَا، أي وإن كان في قتال، فلا ضمان! أما فيما يتلفه العادل على الباغي، فلأنه مأمور بالقتال فلا يضمن ما يتولد منه، وأما فيما يتلفه الباغي على العادل، فَلأَنَّ في الوقائع التي جرت في عصر الصَّحَابَة كحروب الجمل وصفين لم يطالب بعضهم بعضًا بضمان نفس ولا مال، وَفِي قَوْلٍ: يَضْمَنُ الْبَاغِي، لعموم قوله -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: [إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَموَالَكمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ](٢٠٩) والخلاف فيما إذا أتلف بسبب القتال وتولّد منه هلاكه، فلو أتلف في القتال ما ليس من ضرورة القتال أوجب ضمانه قطعًا كالمتلف قبل القتال ذكره الإمام، وَالْمُتَأَوِّلُ بلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ، أي ما أتلفه نفسًا ومالًا وإن كان في حال القتال كَقُطَّاعِ الطريق، لأنّا لو أسقطنا الضمان لم تعجز كل شرذمة تريد إتلاف نفس أو مال أن تبدي تأويلًا وتفعل من الفساد ما تشاء وفي ذلك بطلان السياسات، وَعَكسُهُ كَبَاغٍ, لأن سقوط الضمان عن الباغي لقطع الفتنة واجتماع الكلمة وهذا موجود هنا.
فَصْلٌ: وَلَا يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيهِمْ أَمِيْنًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ مَا يَنقِمُون، أي يكرهون، فَإِن ذَكَرُوا مَظْلَمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا, لأن المقصود بقتالهم رَدُّهُمْ إلى الطاعة، ودفع شرِّهِمْ، والبعثُ واجبٌ كما صرح به ابن الصباغ وغيره، وقال أبو
(٢٠٩) الحديث عن أبي بكرة - رضي الله عنه -؛ رواه البُخَارِي في الصحيح: كتاب الحج: باب الخطبة أيام منى: الحديث (١٧٤١). وفي لفظ ابن عباس فيه: [وَأعْرَاضَكُمْ] الحديث (١٧٣٩). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -: الحديث (١٤٧/ ١٢١٨) عن جابر - رضي الله عنه -.