للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: مَنْ لَمْ يَخْرُجْ من المدينةِ كان يحرُسُها، وحراستُها نَوْعٌ من الجهاد؛ والقائل بالأول قال: الوعيدُ إنما كان في حالِ قلة المسلمين وكثرة المشركين، أو يحمل على من عيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - للجهاد؛ فإنه يتعين عليه الإجابة. وقال الماوردي: كان فرض عين على المهاجرين وفرض كفاية على غيرهم، وقال بعض العلماء من غير أصحابنا: كان فرض عين على الأنصار دون غيرهم، لأنهم بايعوا عليه قال شاعرهم:

نَحْنُ الَّذِيْنَ بَايَعُواْ مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِيْنَا أَبَدًا (٣١٢)

وَاعْلَمْ: أن الله تعالى لما بعث نبيه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ أمره بالتبليغ والإنذار بلا قتال؛ ومنع منه، وأُمروا بالصبر على أذى الكفار ثم بعد الهجرة أذن الله سبحانه في القتال للمسلمين إذا ابتدأهم الكفار به، ثم أباح القتال ابتداءً، لكن في غير الأشهر الحرم، ثم أمره من غير تقييد بشرط ولا زمان. وهل كان فرض عين أو كفاية؟ فيه الخلاف المذكور.

وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ حَالاَنِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ بِبِلاَدِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ، إذ لو فرض على الأعيان لتعطلت المعايش وخربت البلاد، إِذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيْهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِيْنَ، لأن هذا شأن فروض الكفايات (٣١٣).

وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الْحُجَجِ وَحَلِّ الْمُشْكِلاَتِ فِي الدِّيْنِ، أي حتى لا تخلو خطة من خطط الإسلام عن ذلك، والمراد بِالْخِطَّةِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ،


(٣١٢) عَنْ أنَسٍ - رضي الله عنه -، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى الْخَنْدَقِ، فَإِذَا الْمُهَاجرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيْدٌ يَعْمَلُونَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ، قَالَ: [اللَّهُمَّ إِنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ، فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ] فَقَالُواْ مُجِيْبِيْنَ لَهُ:
نَحْنُ الَّذِيْنَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِيْنَا أَبَدًا
رواه الإمام أحمد في المسند: ج ٣ ص ٢٠٥، وفيه: [وَلاَ نَفِرُّ؛ وَلاَ نَفِرُّ؛ وَلاَ نَفِرُّ].
(٣١٣) فَرْضُ الْكِفَايَةِ إِنْ أَقَامَهُ مَنْ فِيْهِمُ الْكفَايَةُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِيْنَ، وَلاَ يُرْفَعُ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِيْنَ حَتَّى يُنْجَزَ فِعْلُهُ؛ وَهُوَ مَا عَنَاهُ بِقَوْلهِ: (إِذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيْهِمُ الْكِفَايَةُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>