للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَسَلَّمَ وَدِيْنِهِ, لأنه داخل في الانقياد، والثاني: يشترط إذ به تحصل المسالمة وترك التعرض من الجانبين، وَلاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى الْمَذْهَبِ, لأنه بدلٌ عن الإِسلام، وهو لا يصح مؤقتًا، فكذلك عقد الذمة، والثاني: يصح كالهدنة. والثالث: القطع بالصحة، واقتصر الغزالي على الأولى، ولم يرجح الرافعي واحدًا منها وإنما أرسلهما إرسالًا، وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ، كغيره من العقود، وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلاَمِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ رَسُولًا، أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ، لاحتمال ما يدعيه، وَفِي دَعْوَى الأَمَانِ وَجْهٌ، لإمكان إقامة البيِّنة عليه، وَيُشْتَرَطُ لِعَقدِهَا الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، أي الذي فوض ذلك إليه, لأنه من المصالح العظام. فاختص بمن له النظر العام، وَعَلَيْهِ الإِجَابَةُ إِذَا طَلَبُواْ، لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ}، إِلاَّ جَاسُوسًا نَخَافُهُ، أي فإنه لا تجب عليه الإجابة، بل لا تقبل الجزية منه. وكذا لو كان يخاف غائلتهم، ويرى أن ذلك مكيدة منهم فلا يجيبهم، ولو أراد الإمام أن يستعين بهم في القتال فامتنع من الخروج إلا إذا تركت له الجزية، فالأَولى أن يقبضها منه ثم يردها إليه، فإن لم يفعل وتركها جاز، وكان إبراءٌ في وقتها، قاله الروياني في بحره قبيل باب نصارى العرب.

فَصْلٌ: وَلاَ تُعْقَدُ إِلاَّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، أي من العرب والعجم؛ لأنهم أهل كتاب، وَالْمَجُوسِ, لأنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أخذها منهم كما سلف، وَأَوْلاَدُ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ، تغليبًا لحقن الدم، وخرج بهذا ما إذا كان ذلك بعد بعثة نبينا أو عيسى صلى الله عليهما وسلم فإنها لا تنعقد لهم، وَكَذَا زَاعِمٌ التَّمَسُّكَ بِمُصْحَفِ إِبْرَاهِيْمَ وَزَبُورِ دَاوُدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ, لأن الله تعالى أنزل عليهم صُحُفًا فقال: {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (٣٥٧) وقال: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ} (٣٥٨) وتسمَّى كُتُبًا كما نصَّ عليه الشافعي - رضي الله عنه - فاندرجت في قوله تعالى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} (٣٥٩)، وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، تغليبًا لحقن الدم، وقوله (عَلَى الْمَذْهَبِ) عائدٌ إلى هذه المسألة والتي قبلها،


(٣٥٧) الأعلى / ١٩.
(٣٥٨) الشعراء / ١٩٦.
(٣٥٩) التوبة / ٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>