فَصْلٌ: حَلَفَ لا يَأكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةِ فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إِلَّا تَمْرَةً لَمْ يَحْنَثْ، لجواز أن تكون هي المحلوف عليها، والأصل براءة الذمة، وكذا الحكم لو ضاع من الجميع تمرة ولا يخفَى الورعُ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّهَا فَاختَلَطَتْ لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا بِالْجَمِيْعِ، لاحتمال أن تكون المتروكة هي المحلوف عليها، أوْ لَيأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيْعِ حَبِّهَا, لأن يمينه تعلقت بالجميع، ولو قال: لا آكلها فترك حَبَّةً لم يحنث، أَوْ لا يَلْبَسُ هَذَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا, لأن الحلف عليهما معًا ولم يوجد، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا حَنِثَ, لأن يَمينه تعلقت بلبسهما وقد وجد، أَوْ لاَ أَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا, لأنهما يَمِيْنَانِ، أَوْ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعامِ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ، أي قبل مجيء الغد، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ, لأنه لم يبلغ زمن البرِّ والحنث، وَإِنْ مَاتَ أوْ تَلِفَ الطَّعَامُ فِي الْغَدِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِن أَكْلِهِ حَنِثَ, لأنه تمكن من البر فصار كما لو قال: لآكُلَنَّ هذا الطعام، ويتمكن من أكله فلم يأكله حتَّى تلف؛ فإنَّه يحنث قطعًا، وَقَبْلَهُ، أي قبل التمكن، قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ، للفوت بغير اختياره؛ والأصح: عدم الحنث، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ حَنِثَ, لأن الْبِرَّ يُقَيَّدُ بزمان فكان شرطًا كالمقيد بمكان وقد فَوَّتَهُ باختياره؛ لكن يحنث في الغد لا عند أكل شيء منه على الأصح عند الإمام، وصحَّحَ البَغَوِيُّ: أنَّه يحنث إذا مضى من الغد وقت إمكان الأكل، وَإِنْ تَلِفَ أَوْ أَتلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكمُكْرَهٍ, لأنه فات بعد اختياره، أَوْ لأَقْضِيَنَّ حَقَّكَ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ، وكذا معه، فَلْيَقْضِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ, لأن هذا اللفظ يقع على أول جزء من الليلة الأُولى من الشهر؛ لأن لفظة (عِنْدَ) تقتضي المقاربة، فَإِنْ قَدِمَ، أي القضاء، أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إِمْكَانِهِ حَنِثَ, لأنه فَوَّتَ الْبِرَّ على نفسه، وَإِنْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ، أي الوزن ونحوه، حِينَئِذٍ وَلَمْ يَفرُغْ لِكَثْرَتهِ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ، أي وكذا إذا ابتدأ حينئذ بأسباب القضاء ومقدماته.
فَصْلٌ: حَلَفَ، أَوْ لا يَتَكَلَّمَ فَسَبَّحَ أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا فَلَا حِنْثَ, لأن الكلام في العرف ينصرف إلى كلام الآدميين، أَوْ لا يُكَلَّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيهِ حَنِثَ, لأنه نوع من الكلام، وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أوْ أشَارَ إِلَيهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا فِي الْجَدِيْدِ، لعدم