للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تهمتهم بدفع العار بخلاف الفاسق فإنه يخفي فسقه، والرد يظهر فيسعى في الدفع، ومراده مظهر الكفر، أما إذا كان يستتر به وأعادها فالأصح في الروضة وهو القياس في الرافعي: فاسقٌ عدم القبول، أَوْ فَاسِقٍ تَابَ فَلَا، لما قلناه، وسواء المستتر به والمعلن على الأصح، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِهَا، أي على غير تلك الشهادة التي شهد بها حال فسقه ثم تاب إذ لا تهمة، بِشَرْطِ اِخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتهِ، لأن التوبة من أعمال القلوب، وهو مُتَّهَمٌ بترويج شهادته فاعتبر الشارع ذلك ليقوي ما ادعاه، وَقَدَّرَهَا الأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ، لأن لمضي الفصول الأربعة تأثيرًا بَيِّنًا في تهييج النفوس وانبعاثها لمتشابهاتها، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة، وقد اعتبر الشرع السَّنَةَ في العُنَّةِ (٥٣٢) والزكاة والجزية، وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلَ، كما أن التوبة من الردة بكلمتي الشهادة، فَيَقُولُ الْقَاذِفُ: قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلاَ أَعُودُ إِلَيْهِ، أي ولا يكلف أن يقول كذبت فربما كان صادقًا؛ فكيف نأمره بالكذب.

فَرْعٌ: إذا تاب بالقول اشترط مضي المدة المذكورة إذا كان القذف على وجه السبِّ والإيذاء لا على وجه الشهادة على المذهب فيهما.

وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ، أي فيقول في التوبة منها كذبت فيما قلت ولا أعود لمثله، قُلْتُ: وَغَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ يُشْتَرَطُ إِقْلاَعٌ، أى عن المعصية، وَنَدَمٌ، وَعَزْمٌ أَن لاَ يَعُودَ، قال الله تعالى: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} ثم قال: {وَلَمْ يُصِرُّوا} (٥٣٣)، وَرَدُّ ظُلاَمَةِ آدَمِيٍّ إِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، فَيُرَدُّ المغصوب مثلًا إن كان باقيًا وإلَّا فَبَدَلَهُ أو يستحل فيبرئه المغصوب منه أو وارثه.

فَصْلٌ: لاَ يَحْكُمُ بِشَاهِدٍ إِلَّا فِي هِلاَلِ رَمَضَانَ فِي الأَظْهَرِ، لما تقدم في بابه، وقد ذكرت في الأصل هنا مسائل أُخر يحكم فيها بقول واحد، فسارع إلى استفادتها


(٥٣٢) العُنَّةُ: هي مُدَّةُ التغريب من الزنا.
(٥٣٣) آل عمران / ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>