للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ] (٥٤٣)، فَلَوْ وَرَّى، يعني الحالف، أَوْ تَأَوَّلَ خِلاَفَهَا أَوِ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لاَ يَسْمَعُ الْقَاضِي؛ لَمْ يَدْفَعْ إِثْمَ الْيَمِيْنِ الْفَاجِرَةِ، لما قلناه، وخرج بـ (القاضي) ما لو حلف إنسان ابتداءً أو حلفه غير القاضي فإن الاعتبار بنيّة الحالف، وتنفعه التورية ولو حلف القاضي بالطلاق أو العتاق نفعت التورية؛ لأنه ليس له التحليف بهما.

فَصْلٌ: وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِيْنٌ لَوْ أَقَرَّ بمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنكَرَ! حُلَّفَ، لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: [وَالْيَمِيْنُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ] وقوله (يَمِيْنٌ) كذا هو بخطه وصوابه دَعْوَى، وكذا هو في الشرحين والروضة وَالمُحَرَّرِ، وَلاَ يُحَلفُ قاضٍ عَلَى ترْكِهِ الظُّلْمَ، في حكمه، وَلاَ شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، لارتفاع منصبهما؛ ومسألة القاضي سَلَفَتْ في بابه.

وَلَوْ قَالَ مُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ, لأنه لو كان كاذبًا لم يمتنع من الإقدام على الحلف فلا فائدة فيها، وَالْيَمِيْنُ تُفِيْدُ قَطْعَ الخُصُومَةِ فِي الْحَالِ لاَ بَرَاءَةً؛ لأنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أمَرَ رَجُلًا بَعْدَمَا حَلَفَ بِالْخُرُوجِ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ، كأنه عَرَفَ كَذِبَهُ فدلَّ على أن اليمين لا توجب البراءة، وهذا الحديث صَحَّحَ الحاكم إسناده (٥٤٤)، فلَوْ حَلَّفَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً؛ حَكَمَ بِهَا، لما قلناه، وكذا لو رُدَّتِ اليمين على المدَّعي فنكل ثم أقام بَيَّنَةً.


(٥٤٣) رواه مسلم في الصحيح: كتاب الأيمان: باب اليمين على نية المستحلف: الحديث (٢١/ ١٦٥٣).
(٥٤٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَسَألَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الطَّالِبَ الْبَيَّنَةَ، فلم تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ؛ فَاسْتَحْلَفَ الْمَطْلُوبَ؛ فَحَلَفَ بِالله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ. وفي لفظ الحاكم؛ فَقَالَ: وَاللهِ مَا لَهُ عِندِي شَيْءٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: [بَلْ هُوَ عِندَكَ! إِدْفَعْ إِلَيْهِ حَقَّهُ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأيمان والنذور: باب فيمن يحلف كاذبًا متعمدًا: الحديث (٣٢٧٥). والنسائي في السنن الكبرى: كتاب القضاء: باب كيف اليمين: الحديث (٦٠٠٦/ ٤). والحاكم في المستدرك: كتاب الأحكام: الحديث (٧٠٣٥/ ٣٣) وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>