للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةٌ فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلَّفْنِي مُكَّنَ فِي الأَصَحَّ، لاحتماله، والثاني: المنع، إذ لا يؤمن أن يدعي المدّعي أنه حلَّفه على أنه ما حلَّفه، وهكذا فيدور الأمر ولا ينفصل، وهذا ما نسبه الرافعي إلى ابن القاصّ وتبعه في الروضة وتبعا في ذلك أبا سعيد الهروي، والذي رأيته في أدب القضاء له الجزم بالأول، وهذا الخلاف محله إذا قال: حَلَّفَنِي مرَّةً عند قاضٍ وأطلق، فإن قال: عندك أيها القاضي، فإن حفظ الحاكم ما قاله لم يحلَّفْهُ ومنع المدَّعي مما طلبه، وإن لم يحفظه حلَّفه ولا تنفعه إقامة البيّنة عليه، وعن ابن القاصّ سماعها منه، حكاه الهروي عن النص، قال الرافعي: وحقه الطرد في كل باب، وأفاد ابن الرفعة: أنه طرده.

فَصْلٌ: وَإذَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ لَهُ، وَلاَ يَقْضِي لَهُ بِنُكُولِهِ, لأنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ [رَدَّ الْيَمِيْنَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ] كما رواه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد (٥٤٥)، وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا نَاكِلٌ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ؛ فَيَقُولُ: لاَ أَحْلِفُ، لظهوره فيه، فَإِنْ سَكَتَ، أي لا لدهشة ونحوها، حَكَمَ القَاضي بِنُكُولِهِ، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء نازلٌ منزلة الإنكار، وَقَوْلُهُ، يعني القاضي، لِلْمُدَّعِي احْلِفْ؛ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ، أي نازل منزلة قوله: حَكَمْتُ بأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَاكِلٌ، وَالْيَمِيْنُ المَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبَيَّنَةٍ, لأن الحجة من اليمين (•)، واليمين وجدت منه، وَفِي الأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ المُدَّعَى عَلَيْهِ, لأنه بنكوله يُتَوصّل الحق إلى مستحقه فأشبه اقراره، ووقع في أصل الروضة في مواضع أخر ما يقتضي تصحيح الأول.

فَلَوْ أَقَامَ المُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيَّنَةً بِأَدَاءٍ أوْ إِبْرَاءٍ لَمْ تُسْمَعْ، لكونه مكذبًا للبيّنة بالإقرار، وعلى القول الأول تسمع, فَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ


(٥٤٥) عن ابن عمر رضي الله عنهما، رواه الحاكم في المستدرك: كتاب الأحكام: الحديث (٧٠٥٧/ ٥٥) وقال: صحيح الإسناد. ولم يوافقه الذهبي. وفي التحفة قال ابن الملقن: وفيه وقفة. قال ابن حجر في تلخيص الحبير: رواه تمام لي فوائده من طريق أخرى عن نافع.
(•) في النسخة (١): لأن الحجة اليمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>