للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} (٥٧٤) أن المتهجدَ يشفعُ في أهل بيته، والْهُجُودُ لُغَةً: النَّوْمُ؛ واصطلاحاً: صَلاَةُ التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، وقال الماوردى: هو من الأضداد؛ يقال: تَهَجَّدَ؛ إِذَا سَهِرَ؛ وَتَهَجَّدَ؛ إِذَا نَامَ.

وَيُكْرَهُ قِيَامُ كُلِّ اللَّيْلِ دَائِماً؛ لأنَّه مضر للعين ولسائر البدن كما قال - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله ابن عمر: [وَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقَّاً] الحديث في الصحيحين (٥٧٥) وهو ظاهر ممن يجد به مشقة يخشى بسببها محذوراً وإلا فهو مستحب لاسيما التلذذ بمناجاة ربه، ومن يشق عليه ولا يخاف به محذوراً لم يكره له ورفقه بنفسه أولى (٥٧٦)، واحترز بقوله (دَائِماً) عن إحياء بعض الليالي كالعشر الأخير وليلتي العيد، وَتَخْصِيصُ لَيْلَةِ


(٥٧٤) الإسراء / ٧٩. قال الراغب في المفردات: الْهُجُودُ: النَّوْمُ. وَالْهَاجِدُ: النَّائِمُ. وَهَجَّدْتُهُ؛ فَتَهَجَّدَ: أَزَلْتُ هُجُودَهُ، نَحْوَ حَرَّضْتُهُ. ومعناه: أَيْقَظْتُهُ فَتَيَقَّظَ؛ وقوله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ} أي تَيَقَّظْ بالْقُرْآنِ. وَذَلِكَ حَثٌّ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ فِي اللَّيْلِ. وَالْمُتَهَجِّدُ: الْمُصَلِّي لَيْلاً. إ. هـ. وفي قول الحجاج بن عمرو - رضي الله عنه -: (بِحَسْبِ أَحَدِكُمْ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلَّي حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ. إِنَّمَا التَّهَجُّدُ الْمَرْءُ يُصَلَّي الصَّلاَةَ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلاَةَ بَعْدَ رَقدِهِ. وَتِلْكَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) رواه الطّبرانيّ في المعجم الكبير: ج ٣ ص ٢٢٥: النص (٣٢١٦) وإسناده فيه نظر. ولكنه من حيث الدلالة على معنى التهجد يحتج به في اللغة أو تقرير المصطلح، لأنَّه ينقل مفهومًا عند القوم واصطلاحاً لهم.
(٥٧٥) عن عبد الله بن عَمرو - رضي الله عنه - قال؛ قال لِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [يَا عَبدَاللهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنْكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ ] فَقُلتُ: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: [فَلاَ تَفْعَل! صُمْ وَأفْطِر، وَقُمْ وَنَمْ، فَإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنْ لِعَيْنَيْكَ عَلَيْكَ حَقّاً، وَإِنْ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً؛ وَإِنْ لِزَوَرِكَ عَلَيْكَ حَقّاً] رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كُتاب الصوم: الحديث (١٩٧٥). ومسلم في الصَّحيح: كتاب الصيام: الحديث (١٩٣/ ١١٥٩).
(٥٧٦) قُلْتُ: الأولى أتباع إرشاد الرسول - صَلَّى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عمر رضى الله عنهما؛ وليس في دلاله النص ما يشير إلى العلة، وإنَّما هي مناطات أحكام تنظيم حياة الإنسان في العيش بأنماط العبادة والمعاملات، والتأهيل بإمكانات الجسد وحسن العلاقات؛ والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>