للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فدلالة الخطاب تشير إلى جواز حلق الرأس الذى منع منه الْمُحْرِمُ، لاستفراغ الأذى الحاصل من البخار المحتقن فِي الرأس. والأصل فِي الطب أنه خير للإنسان بما يحفظ الصحة له ويحميه من الأذى، أو يعالجه من الفتور والسقم، لأن فِي التداوى شفاء بإذن الله يرجع حال الإنسان الجسمية إلى حال الاعتدال.

* حَثُّ النَّاسِ عَلَى التَّدَاوِي وَطَلَبِ الدَّوَاءِ:

قال تعالى عن لسان إبراهيم -عليه السلام -: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: ٧٨/ ٨٠] فبعد الخلق احتاج الناس إلى معرفة ربهم وسبل عبادته وطرائق طاعته، فبعث لهم الأنبياء والرسل، وأنبت لهم من خشاش الأرض ما يعيشون به فيأكلون، وأجرى لهم الأنهار وفجر لهم العيون ليشربون. وإذا حصلت الحاجة بشكلها الطبيعي فسلوك الإنسان مطلوب ليتناول ما سخره الله له من الطيبات ويتجنب ما حرم عليه من الخبائث. والمرض عارض طارئ على الإنسان من جراء اضطراب عملية اهتدائه، فشفاؤه بالاتباع أي اقتفاء أثر الرسول؛ وإذا كان مرضه من سقم وهو علل الجسم وطوارئه، فقد جعل الله فِي التداوي سبيلاً للشفاء بإذن الله. فجعل الله إطعامه للإنسان بما أحل له من الطيبات وحرم عليه الخبائث؛ وجعل شفاءه للإنسان المريض بما أحل له من الدواء وحرم الخبيث (أي السم) وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن فِي الطب خيراً فقال: [ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً].

ولقد حث الشارع الناس على التداوي، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: [تَدَاوَوْا] عن أسامة ابن شريك؛ قال: شَهِدْتُ الأَعْرَابَ يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أَعَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا؟ أَعَلَيْنَا حَرَجٌ فِي كَذَا؟ فَقَالَ لَهُمْ: [عِبَادَ اللهِ! وَضَعَ الله الْحَرَجَ إِلاَّ مَنِ اقْتَرَضَ مِنْ عِرْضِ أَخِيْهِ شَيْئاً. فَذَاكَ الَّذِي حَرَجٌ]، فَقَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ عَلَيْنَا جُنَاحٌ أَنْ لاَ نتَدَاوَى؟ قَالَ: [تَدَاوَوْا، عِبَادَ اللهِ! فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلاَّ الْهَرَمُ]. ولما كان طلب الدواء لازماً للإنسان، أرشد الشارع إليه، وهو مما يحتاج فيه إلى البحث والنظر وطلب العلم. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [مَا أَنْزَلَ للهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً (أَوْ شِفَاءً) عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ] وفي دلالة الخطاب إشارة إلى أن من الأدوية ما لا يعلمه كل أحد؛ بل فى عصرنا الراهن صار علم الدواء واسعاً ومتشعباً وفيه متخصصون.

ونَبَّهَ الشارعُ على أن التداوى لا يتنافى مع التوكل على الله، ولا يناقض مفهوم =

<<  <  ج: ص:  >  >>