للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحلة التى ينزلها البدوىِ لقوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ في الحديث السالف بعد ذكر المواقيت: [فَمَن كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أنشَأ] (١٠٥٠).

وَمَن بَلَغَ مِيقَاتًا غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ أَرَادَهُ فَمِيقَاتُهُ مَوْضِعُهُ، أي ولا يكلف العود؛ فإن جاوزه غير محرم كان كمجاوزة الميقات، وِإن بَلَغَهُ مُرِيدًا لَم تَجُز مُجَاوَزَتهُ بِغَيرِ إِحرَام، بالإجماع، والمراد هنا المجاوزةُ إلى جهة الحَرَمِ، فأمَّا إذا جاوزه إلى جهة يمينه أو يساره وأحرم من مثل ميقات بلده أو أبعد؛ فإنه يجوز؛ ذكره الماوردي، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ العَودُ لِيحرِمَ مِنْهُ، أي وكذا من ميقات آخر مثل مسافته، صرح به الإمام، وإذا عاد فلا دمَ عليه، وكلام المصنف يوهم عدم وجوب العود إذا أحرم؛ وليس كذلك، ووجوب تأخير الإحرام إليه، وليس كذلك أيضًا، لأن الصحيح أن العود بعد الإحرام مسقط للدم كما سيأتى، فله أن يحرم ثم يعود إلى الميقات محرمًا؛ لأن المقصود قطع المسافة محرمًا. إلَّا إِذَا ضَاقَ الْوَقتُ أَوْ كَان الطرِيقُ مُخَوفًا، أي فإنه لا يلزمه لخوف الضرر ويريق دمًا، وكذا لو خاف الانقطاع عن الرفقة أو كان به مرض شاقٌّ لما قلناه، فَإن لَم يَعُدْ لَزِمَهُ دمٌ، لقول ابن عباس - رضي الله عنه -[مَنْ نَسِىَ مِنْ نُسُكِهِ شَيئًا أَو تَرَكَهُ فَلْيُهرِق دَمًا] رواه مالك (١٠٥١).

فَرْعٌ: لو أحرم بعد المجاوزة بالعمرة لزمه الدم في أيّ وقتٍ أحرمَ؛ لأن العمرة لا يَتأقَتُ وَقْتُهَا، أو بالحج؛ فإن كان في سَنَتِهِ فكذلك، وإن حج من السَّنَةِ الثانية فلا، لأن إحرام هذه السَّنَةِ لا يصلح لحج سَنَةٍ قَابِلَةٍ أخرى؛ قاله القاضى والبغوي. وإن لم يُحْرمْ أصلًا، لم يلزمه شيء، قاله الماوردي، لأن الدم إنما يجب لنقصان النسك لا بدلًا منه.


(١٠٥٠) من حديث ابن عباس السالف في المواقيت: رواه البخاري في الصحيح: الحديث (١٥٢٤ و ١٥٣٠). ومسلم في الصحيح: باب مواقيت الحج والعمرة: الحديث (١١ و ١٢/ ١١٨١).
(١٠٥١) رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الحج: باب ما يَفْعَلُ مَن نَسِىَ مِن نُسُكِهِ شيئًا: الحديث (٢٤٠) منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>