للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوضوء بخروج دم الحيض، وليس كما ذكر، فقد حكم ابن الصلاح عن ابن خَيْرَانَ أنه قال في لطيفةٍ: إن الحيض والنفاس لا يوجبان الوضوء ثم رأيته بعد ذلك فيه، وَلَوِ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ؛ أي مخرج بدله، تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ نَقَضَ، لتعينه مخرجاً، وَكَذَا نَادِرٌ كَدُودٍ فِي الأَظْهَرِ، لأنا جعلناه كالأصلي، ولا فرق بين المعتاد والنادر، والثاني: لا تنتقض، لأن الضرورة في جعله مخرجاً إنما هي في المعتاد، أَوْ فَوْقَهَا وَهُوَ مُنْسَدٌّ، أَوْ تَحْتَهَا وَهُوَ مُنْفَتِحٌ فَلاَ فِي الأَظْهَرِ، كالفصد والحجامة كما قاله في اَلْمُحَرَّر، والثاني: ينقض فيهما كالمخرج المعتاد والمعدة فوق السرة كما قاله ابن سينا وأهل اللغة، ثم هذا فِي الانسداد العارض دون الأصلي ويخرج بقوله (انْسَدَّ).

الثَّانِي: زَوَالُ الْعَقْلِ، بالإجماع؛ وحد العقل: أنه صِفَةٌ يُمَيِّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيْحِ؛ كما قاله الشيخ أبو إسحاق، وعن الشافعي - رضي الله عنه -: أنه آلة التمييز، وادعت الفلاسفة قِدَمَهَ، ثم قيل: إنه جوهر لطيف في البدن يثبث شعاعه فيه بمنزلة السراج في البيت، وقيل: إنه بسيط، وسيأتي الخلاف في محله في الجنايات إن شاء الله تعالى (٩٧)،


(٩٧) مَبْحَثٌ: مَفْهُومُ زِوَالِ العَقْلِ: اَلْعَقْلُ في اللغة: الرَّبْطُ ومَسْكُ الأشياءِ؛ ومنه عَقَلَ الدابة أى ربطها. ويراد بالعقل هنا، ملكة الإدراك وخاصيته الذهنية. وحكى ابن الملقن رحمه الله اختلاف الناس في حدِّه. وبإيجاز نقول: إن العقل على ثلاثة ضروب؛ الأول: العقل بالذهن، وهو العقل بالفطرة؛ والثاني: العقل بالتفكير، وهو الإدراك بأن يقبل الذهن العلم ويمسكه؛ والثالث: العقل بالفكرة، وهو تمييز الأشياء بالعلم والفهم وتقدير المقادير ومعرفة حدود الأوامر والنواهي.
* أما العقل بالذهن، العقل بالفطرة، فهو الخاصية التي أودعها الله عز وجل خلق الإنسان فجعل له ذهناً فيه القابلية على التفكير والقدرة على الإدراك، وتبقى هذه الخاصة قدرة كامنة مال م يسْتَنْهِضِ الإنسان كوامنها وينشط فاعلياتها في الأدراك.
فإن لم يتقصد في ذهنه ذلك النهوض والنشاط، فإنَّها تجرى بفاعليتها الوجدانية من غير قصد، فتحاكي الوجدان وأثر الواقع المحسوس فيه، من غير التسلط عليه، بل تبقى أسيرة هذا الوجدان، أي يحكمها الواقع المحسوس والشعور المتولد تجاهه. وبهذا يفقد الإنسان أهليته بين الناس، فيكون عرضة للهواجس والترهات، وتبعاً لغيره لا محالة؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>