للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حديث أبي هريرة (١١٩) وإنما يجبر إذا كانت خفيفة لا تضر، واستغنى المالك عنه وأن تكون الأرض له، وأن لا يمكن الجدار (•) أن يسقف إلا بالوضع، واعلم أنه يجوز على هذا القول إدخال الجذوع في الحائط أيضًا ولا يختص بالوضع، فَلَوْ رَضِيَ بِلا عِوَضٍ فَهُوَ إِعارَةٌ، لصدق حدها عليه، وَلَهُ الرجُوعُ قَبْلَ البناءِ عَلَيهِ، وَكَذا بَعْدَهُ في الأصَح، كسائر العواري، والثاني: لا كما لو أعار للدفن، وفائدَةُ الرُّجُوع؛ تَخْييرُهُ بَينَ أَن يُبْقِيَهُ بأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيغْرَمَ أَرشَ نَقْضِهِ، كما لو أعار أرضًا للبناء، وَقيلَ: فائِدَتُهُ طَلَبُ الأجْرَةَ فَقَطْ، لأن ضرر القلع يصل إلى ما هو خالص ملك المستعير؛ لأن الجذوع إذا رُفعت أطرافها من جدارٍ لم تستمسك على الجدار الباقي.

وَلَو رَضِيَ بِوَضْع الجُذُوع والْبِناءِ عَلَيها بِعِوَضٍ، فَإِن أَجَّرَ رَأسَ الجِدارِ لِلْبِناءِ، فَهُوَ إِجَارَةٌ، أي فيشترط فيه شروطها إلا بيان المدة على الأصح؛ لأن الحاجة تدعو إلى دوامه، وَإِن قَال: بِعْتُهُ لِلْبِناءِ عَلَيهِ، أَوْ بعْتُهُ حَق البنِاءِ عَلَيهِ، فالأصَحُّ: أَنَّ هَذا العَقدَ فِيهِ شَوْبُ بَيعٍ، أي لكونه مؤبد، أَو إِجارَةً، أي لكونه على منفعةٍ؛ والثاني: أنه بيع لوضع الجذوع حتى لو انهدم الجدار ثم أُعيد عاد حقه، والثالث: أنَّه إجارة مؤبدة واغتفر ذلك لما سلف من الحاجة، واحترز بقوله (لِلْبِناءِ عَلَيهِ) عما إذا باعه وشرط ألا يبنى عليه؛ فإنه جائز لا محالة، وينتفع به بما عدا البناء عليه وكذا إذا باعه ولم يتعرض للبناء بالكلية على الأصح ذكره الماوردي، فَإذا بَنَى، أي بعد هذه المعاقدة، فَلَيسَ لِمَالِكِ الْجِدارِ نَقْضُهُ بِحالٍ، أي نقض بناء المشتري لاستحقاقه دوامه؛ ومن الواضح أن البائع لا يُمَكنُ من هدم هذا الجدار.


(١١٩) رواه البخاري في الصحيح: كتاب المظالم: باب لا يمنع جارٌ جارَهُ: الحديث (٢٤٦٣). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ أن رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَمْنَعَن جارٌ جارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في جدارِهِ] ثُم يَقُولُ أبو هُرَيرَةَ: مَا لِي أراكُمْ عَنها مُعرِضِينَ؟ واللهِ لأَرمِيَنَّ بِها بَينَ أكتافِكُم. ومسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب غرز الحشب في جدار الجار: الحديث (١٣٦/ ١٦٠٩).
(•) وفي هامش أحد النسختين تعليق: أنه في نسخة أخرى (الجار) بدل الجدار.

<<  <  ج: ص:  >  >>