للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القاضي حُسَين وأخِرُها: أَنهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَطْ؛ لأَنَّ الدَّفْنَ لِلتَّأْبِيدِ.

تَنْبِيهٌ: العَارِيَةُ قد تلزم من جهة المستعير فقطْ، وَهِيَ مَا إِذَا اسْتَعَارَ الدَّارَ لِسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ، وَلَوْ كَفَّنَ أَجْنَبِيٌّ مَيِّتًا، وقلنا بأنَّ الكَفَنَ بَاقٍ على مِلْكِ الأجْنَبِيِّ وهو الأصحُّ، فإنه يكون من العواري اللازمة، قاله في الوسيط في كتاب السرقة، وإذا قال: أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِفُلانٍ شَهْرًا كَانَتْ عَارِيَةً لازِمَةً، ذكره الرافعي في التَّدْبِيرِ، وكذا إذا نذر المعيرُ ألا يَرْجِعَ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَرْجِعَ، قاله المتولي. ولو أعار سترةً للمصلي؛ فَصَلَّى فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ فيها فهل يلتحق بالدفن؟ فيه نظر واحتمال، ولو أعاره سفينةً فَطَرَحَ فيها مالًا؛ لم يكن له الرجوع؛ قاله في البحر.

فَرْعٌ: أعاره للدفن لم يجز أن يدفن معه آخر، قال الروياني: إلا أن يتجاوز مكان لَحْدِهِ فيجوز إن كان مقاربًا.

وَإذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَو الْغِرَاسِ، أي لِغَرْسِ الْغِرَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ، بعد أن بَنَى وَغَرَسَ، إِن كَان شرَطَ الْقَلْعَ مَجَانًا، أي بلا بدل، لَزِمَهُ، لأنه رضي بالتزام الضرر الذي يدخل عليه بالقلع، فإن امتنع فللمعير القلعُ مجانًا، ولم يذكر الشافعي رحمه الله في الأُمِّ والمختصر لفظة مجانًا وحذفُها أَولى، واحترز بالمدة عن العارية المطلقة وستأتي بعد، وَإِلَّا، أي وإن لم يشترط عليه القلع، فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، لأنهُ مَلَكَهُ فَلَهُ نَقْلُهُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْويَةُ الأَرْضِ فِي الأَصَحِّ، لأنه مأذون فيه؛ فلم يلزمه ضمان نقصه كاستعمال الثوب المستعار. قُلْتُ: الأَصَحُّ تَلْزَمُهُ، وَالله أَعْلَمُ، لِيَرُدَّ كما أخذ، ومحل الخلاف فيما إذا كانت الْحُفَرُ الْحَاصِلَةُ في الأرض على قَدْرِ الْحَاجَةِ، فإن كانت زائدةً على حاجة القلع لزمه حكم الزائد قطعًا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ، يعني القلع، لَمْ يَقْلَعْ مَجَانًا، لأنه محترم، بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَينَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ، إلى أجرة مثله، أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، أي حال البدل، وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائمًا ومقطوعًا؛ لأنه لا يليق بالعاريَةِ مَنْعُ الْمُعِيرِ مِنْ مَالِهِ ولا يضيعُ مال المستعيرِ فجمعنا بذلك بين الْحَقَّينِ، وخيَّرنا المعيرَ؛ لأنه الْمُحْسِنُ؛ فإن لم يحصل بالقلع نقصٌ؛ فليس له إلا القلع.

<<  <  ج: ص:  >  >>