الأول: أن (إلى). بمعنى مع؛ وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله (لآن إلى في الآية بمعنى (مع) كقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّه} [آل عمران / ٥٢ والصف / ١٤]. وقال غيره: كقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء / ٢]. فقالوا: إن (إلى) هنا. بمعنى مع؛ وهذا محتمل، ولكنه استعمال عرفي ليسر على باب (إلى) في اللغة. والجيدُ أن تحمل في تأويل معناها على بابها. الثاني: أن (إلى) حدٌّ، والحدُّ إذا كان من جنس المحدود دخل فيه، تقول: بعتُكَ هذا الفدَّان من ها هنا إلى ها هنا، فيدخل فيه الحدُّ المفروض؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة / ١٨٧]. فتمام الصيام نهاية حدِّ النهار وبدء حدِّ الليل. فأمر الصيام يقتضي الوجوب من غير خلاف. و (إلى) غاية، فإذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فهو داخل في حكمه، كقولك: اشتريتُ الفدَّان إلى حاشيته، أو اشتريتُ منك من هذه الشجرة إلى هذه الشجرة- والمبيع شجر، فإن الشجرة داخلة في المبيع. بخلاف قولك: اشتريتُ الفدان إلى الدار، فإن الدار لا تدخل في المحدود إذ ليست من جنسه. فشرط الله تعالى تمام الصوم حتى يتبين الليل، كما جوَّز الأكل حتَّى يتبين النهار، هذا الكلام يجري مع دلالة المفهوم، ويفيد الفقيه في الاستنباط ما لم يرد نص يعين المراد في دلالة السياق لمعنى الحرف. الثالث: أن المرافق حدُّ الساقط لا حدَّ المفروض. وتحقيقه أن قوله تعالى: {وَأَيْدِيكُمْ} يقتضي بمطلقه من الظفر إلي المَنْكِب؛ لأن العرب تطلق اليد على ما يقع على أطراف الأصابع إلى الكتف، وكذلك الرُّجْلُ تقع على الأصابع إلى أصل الفخذ، فالمرفق داخل تحت اسم اليد، فلو كان المعنى مع الموافق لم يُفد، فلما قال: {إِلَى الْمَرَافِقِ} اقتطع من حدِّ المرافق عن الغسل، وأسقط ما بين المنكب والمِرْفَق، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر، وهذا الكلام صحيح يجرى على الأصول لغة ومعنىً، وهو كسابقه من حيث الفائدة للفقيه. =