للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَى الذمةِ كاسْتِئجارِ دابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَن يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِياطَة أوْ بِناءً، وذكر المصنفُ هذا التقسيمِ، لِما يترتبُ عليه من الأحكام الآتية، ووجهُ جعلِ العقارِ من القسمِ الأوَّلِ، أنَّه لا يثبتُ في الذمَّةِ، وَلِهَذا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ في أَرضٍ؛ وَلا دارٍ. ومرادهُ بالواردةِ على العينِ ما يرتبطُ بالعينِ؛ وتمثيلهُ يرشدُ إليه ولا يُفْهَمُ منهُ أن مورد الإجارة العين في الواردة على العين بَلِ المذهبُ الصحيحُ أن موردها المنافع، سواء أَوَرَدَتْ على العينِ أو الذِّمَّةِ خلافًا لأبي إسحاق، وَلَوْ قال: اسْتأجَرتُكَ لِتَعْمَلَ كَذا، فإِجارَةُ عَينٍ، للإضافةِ إلى الْمُخاطَبِ كما لو قال: اسْتَأْجَرتُ هَذِهِ الدّابَّةَ، وَقِيلَ، إِجارَةُ: ذِمَّةٍ، لأنَّ المقصودَ حصولُ العملِ من جهةِ الْمُخاطَبِ، فكأنهُ قال: اسْتَحقَقْتُ عَلَيكَ كَذا، ويشْتَرَطُ في إِجارَةِ الذمةِ تَسْلِيمَ الأُجْرَةِ في الْمَجْلِسِ، كرأسِ مالِ السَّلَمِ، لأنه سَلَمٌ في المنافع، فلا يجوزُ فيها تأجيلُ الأجرةِ، ولا الاسْتِبْدالُ عَنْها، ولا الحوالة بها، ولا عليها ولا الإبراء، وإجارَةُ الْعَينِ لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيها، أي كما لا يشترط تسليم الثمن في البيع، وَيَجُوزُ فِيها التعْجِيلُ والتأجِيلُ إِن كانَتْ في الذمةِ، وَإِذا أُطْلِقَتْ تَعَجلَتْ، أي وملكها المؤجرُ بنفسِ العقدِ، وَإذ كانَتْ مُعَينَةً مُلِكت في الْحالِ، ويشْتَرَطُ كَوْن الأُجْرَةِ مَعْلُومَة، كالثمن في البيع وروى عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (كنْتُ أجيرًا لإِبْنَةِ غَزْوانَ عَلَى طَعامِ بَطني وَعُقْبَةِ رِجلِي) (١٦٦)، قال البيهقيُّ: لَيسَ في هَذا أَنَّهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلِمَ بِهِ فأَقَرَّهُ عَلَيهِ، ويحتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذا مُواضَعَة بَينَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التراضِي لا عَلَى سَبِيلِ التعاقُدِ (١٦٧)، فَلا تَصِحُّ بِالْعِمارَةِ والْعَلْفِ، أي بإسكان اللام كما ضبَطَهُ الْمُصَنّفُ بِخَطِّهِ لِلْجَهالةِ، وَلا لِيَسلُخَ


(١٦٦) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ أنهُ كانَ يَقُولُ: (نَشأتُ يتِيمًا، وَهاجَرتُ مِسكِينًا، وَكُنتُ أجيرًا لابنِ عَفانَ وابنَةِ غَزْوانَ عَلَى طَعامِ بَطني وَعُقْبَةِ رِجلِي، أحتَطِبُ لَهُم إذا نَزَلُوا؛ وَأحدُوا بِهِمْ إِذا سارُوا؛ فالحَمدُ للهِ الذِى جَعَلَ الدينَ قِوامًا، وأبو هُرَيرةَ إِمامًا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الإجارة: باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة: الأثر (١١٨٥٩).
(١٦٧) السنن الكبرى: كتاب الإجارة: تعقيبًا على الأثر السابق: ج ٩ ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>