للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ غَرَزَ خَشَبًا فَمُتَحَجِّرٌ، وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ] رواه أبو داود (١٧٢)، وهذه الأَحَقِّيَّةُ أَحَقِّيَّةُ اختصاصٍ لا مِلْكٍ على الأصح، لأن سَبَبَهُ الإحياءُ ولم يُوجد، لَكِنِ الأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيعُهُ، لأن حَقَّ التَّمَلُّكِ لا يُباعُ كَحَقِّ الشفيعِ، والثاني: يصحُّ ويعتمدُ حَقَّ الاختصاصِ، كبيع علو البيت للبناء والسكنى دون أسفله، وادعى الفورانيُّ: أنَّه المذهب، وَأَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ آخَرُ مَلَكَهُ، لأنهُ حَققَ الْمِلْكَ وإن كانَ ظالمًا، كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي سَوْمِ أَخِيهِ وَاشْتَرَى، والثاني: لا يملكه، لئلا يبطل حق غيره وهو أقيس، والثالث: إن انضم إلى التحجر إقطاعُ الإمام منع التملك وإلا فلا، ومحل الخلافِ إذا كان أحياها مزرعةً، فأما إذا كان له بناءٌ فلا يجوز له نَقْلُهُ والتصرفَ فيه بغير إِذْنِ مالكه كما نبَّه عليه الفارقي، ويصحُّ أيضًا بيعهُ كما قاله بعضُ متأخري أصحابنا على ما حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُعِينِ، قال: وربما خالفه الرافعيُّ، وهذا أيضًا إذا لم يكن له عذر، ولم يعرض عن العمارة؛ فإنْ أعرضَ عنها مَلَكَهُ الْمُحييُّ قطعًا، وإن ترك لعذرٍ فلا قطعًا؛ قاله الجيلي، والخلافُ في المسألة شبيهٌ بما إذا عَشَّشَ الطائرُ في مِلْكِهِ وَأَخَذَ الْفَرْخَ غَيرُهُ هَل يَمْلِكُهُ؟ وكذا لو تَوَحَّلَ ظَبيٌّ في أرضهِ، أو وَقَعَ الثَّلْجُ فيها ونحو ذلكَ، وَلَوْ طَالتْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ قَال لَهُ السُّلْطَانُ، أي أَوْ نَائِبُهُ: أَحْيِ أَو اتْرُكْ، لأنَّ فيهِ نوعَ حمَّى فَمُنِعَ مِنْهُ، والرجوعُ في طولِهَا إلى العادةِ، فَإِنِ اسْتَمْهَلَ، أي لعذرٍ أبداهُ، أُمْهِلَ مُدَّةً قَرِيبَةً، رِفْقًا بهِ ودفعًا للضَّرَرِ عنه وأَلْحَقَ في البحرِ ما إذا لم يُبْدِ عذرًا بذلك أيضًا.

فَرْعٌ: المرجعُ في قَدْرِ هذهِ الْمُدَّةِ إلى رَأيِ السُّلْطَانِ وَلَا تَتَقَدَّرُ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى الأصَحٌ.


(١٧٢) عن أسْمَرِ بْنِ مُضَرِّسٍ قَال: أَتيتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْتُهُ؛ فَقَال: [مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الخراج: الحديث (٣٠٧١). والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (١١٩٩٧)، وإسناده حسن كما قال ابن حجر في التلخيص: ج ٣ ص ٧٢، وقال: قال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث، وصححه الضياءُ في المختارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>