فقال: ألا تراني وما أصنع؟ ! -يعني: في إخراج القيد من إحدى رجليه- قلت: بلى.
ثم ذكر أبو عبد اللَّه حُجر بن عدي أصحابه (١)، فقال: أليس كانوا مقيدين؟ أليس كانوا يصلون جماعة؟ ! على الضرورة لا بأس بذلك.
قال أبو عبد اللَّه: وإن كان فيهم مطلق ورضوه صلى بهم.
قلت: فالذي في رجليه القيد لا يمكنه أن يقعد في الصلاة على ما فعل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الركعة الأخيرة يمنعه القيد من ذلك.
فقال أبو عبد اللَّه: كيفما تيسر له وأطاق، إلا أني أطيق ذلك؛ لأني أخرجه من رجلي.
ثم قال: فكرت في أمرنا فرأيت مثلنا في هذا الأمر مثل حجر وأصحابه لما أخرجوا وقيدوا، فكأنا كنا في مثال أمرهم. ثم قال أبو عبد اللَّه: أولئك أنكروا شيئًا ونحن دُعِينا إلى الكفر باللَّه، فالحمد للَّه على معونته وإحسانه، سبحان اللَّه لهذا الأمر الذي ابتلى اللَّه به العباد.
"المحنة" لعبد الغني المقدسي ص ٥١ - ٥٤
وقال محمود بن عبد الرحمن: لما حُمل أبو عبد اللَّه ومحمد بن نوح وصارا إلى حبسٍ بطاطيا، حانت الظهر فأنيخ له البعير، وذهب محمد بن نوح يتهيأ للصلاة، فجاء وهو يبكي.
فقال أبو عبد اللَّه: ما يبكيك يا أبا عبد اللَّه؟ فقال: يا أبا عبد اللَّه، واللَّه ما أبكي أسًى على أهل ولا مال ولا ولد،
(١) قصة حجر بن عدي وأصحابه انظرها في "طبقات ابن سعد" ٦/ ٢١٧ - ٢٢٥، "أسد الغابة" ١/ ٣٨٥ - ٣٨٦، "المستدرك" للحاكم ٣/ ٤٧٠، "الاستيعاب" ١/ ٣٩٠، "تاريخ الإسلام" للذهبي ٤/ ١٩٤.