معلقة بيده حتى أوقف بين يديه، فقال: أنت أحمد بن حنبل؟
فقال: أنا أحمد بن محمد بن حنبل.
قال: بلغني أنك تقول: إن القرآن كلام اللَّه غير مخلوق.
فقال له: أصلح اللَّه أمير المؤمنين، البلاغات تزيد وتنقص.
فقال له: يا مبارك، فأيش تقول؟
قال: أقول: القرآن غير مخلوق، وعلى أي الحالات كان.
قال: ومن أين قلت؟ قال: روي في الحديث، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: " إن كلام اللَّه الذي استخص به موسى عليه السلام، مائة ألف كلمة وثلاث عشرة كلمة" فكان الكلام من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، والاستماع من موسى.
فقال: كذبت يا عدو اللَّه على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ما قال رسول اللَّه شيئًا من هذا. فقال أحمد: إن كنتَ تقول: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقل شيئًا من هذا. فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قال: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: ١٣]، فإن يكن القول من اللَّه، فإن الكلام من اللَّه.
فالتفت إلى ابن أبي دؤاد. فقال: كلمه.
فقال ابن أبي دؤاد: اقتله. ولطم أحمد فخر مغشيا عليه، ثم أفاق.
فقال المعتصم: وقرابتي من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأضربنك بالسياط أو تقول كما أقول. ثم التفت إلى جلاد، فقال: خذه إليك.
قال: فأخذه فخرق قميصه ثم أوقفه بين العقابين، فلما ضرب سوطًا واحدًا قال: باسم اللَّه. فلما ضرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه.
فلما ضرب الثالث قال: القرآن كلام اللَّه غير مخلوق.
فلما ضرب الرابع قال: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: ٥١]، فضربه تسعة وعشرين سوطا، وكانت تكة أحمد حاشية ثوب، فانقطعت،