للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثوب ممثل حور واستنصره، ولم يجد بأسًا في أن يعترف بالأمر الواقع في بداية حكمه، فظهر في تماثيله بتاج الصعيد وحده، وصور رجاله المعبود حور متوجًا بتاج الصعيد تارة وبلقب حور السماء مرة أخرى١. ثم هاجم أراضي الدلتا وقاتل قبائل البدو المسيطرين عليها قتالًا عنيفًا حتى انتصر عليهم في نهاية عهده، وعندما أراد رجاله أن يعبروا عن انتصاره عليهم أشاروا إلى الدلتا باعتبارها الأرض التي كان بدو الحدود الغربية يحتلونها وليس باعتبارها وطنهم الأصيل أو أرض الخصوم الفعليين.

وأخيرًا أكد الفرعون خع سخموي آخر فراعنة الأسرة الثانية إتمام وحدة البلاد في عهده، بأكثر من وسيلة، فصور له رجاله المعبودين حور وست فوق أشكال واجهة القصر التي تضمنت اسمه؛ دلالة على تآلفهما وتأكيدًا لانتسابه إليهما. وتصرف الفنانون في تصويرها عنده بأوضاع مختلفة، فصوروهما متقابلين متقاربين يكاد كل منهما يقبل الآخر دلالة على المحبة بينهما، وصوروهما على هيئة صقرين إشارة إلى أن صورة كل منهما يمكن أن تدل على صورة الآخر، أو إشارة إلى اجتماع شمل حور الصعيد وحور الدلتا مرة أخرى. وقد سجل خع سخموي وحدة الربين والوجهين عن طريق اسمين من أسمائه، وهما: "خع سخموي" الذي يمكن ترجمته بمعنى شع القويان أو تجلي القويان، وقد يكون القويان هما الصعيد والدلتا أو معبوديهما، والاسم الآخر اسم مركب يمكن ترجمته بمعنى "اطمأن السيدان به". والسيدان هنا هما حور وست ربا الصعيد والدلتا٢. غير أنه على الرغم من منطقية القرائن السابقة عن أحداث النصف الثاني من عصر الأسرة الثانية، لا ننكر أن حقيقة الأوضاع فيه لا زالت مشوبة بشيء من الغموض، ولا زالت تتطلب قرائن أثرية جديدة تجلو غموضها.

وعلى أية حال فإنما ننتهي من هذه المشكلات كلها إلى أن الفراعنة الأوائل الذين نسبتهم نصوصهم إلى الأرباب وصوبت لهم قداسة واسعة، لم تخل أيامهم مما يحدث عادة في مختلف الشعوب ومختلف العصور من تنازع أسري وشقاق داخلي ومتاعب قومية. لولا أن أيام ذلك التنازع وهذا الشقاق وتلك المتاعب كانت لحسن الحظ قصيرة وقليلة إذا قورنت بأمثالها في حياة الشعوب القديمة الأخرى. وظلت أيام الاستقرار والسلام والوحدة هي الغالبة، وبلغت البلاد في ظلها بحكامها ومحكوميها ما بلغته من الرقي النسبي في الفكر والمادة، والاتساع النسبي في النشاط الداخلي والخارجي معًا.


١ Hierakonopolis, I, ٤٨, Pl. LVIII.
٢ But Cf. R. Weil, Recherches ..., I, ٣١٨-٣١٩; "Lever Des Deux Scepitre", Et "Don't L'essence Est Consitiuée Par Les Deux Horus Réunis".

<<  <   >  >>