للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تكون المركب الخشبية هي المركب التي نقل أهل المتوفى جثته فيها على النيل ثم آثروه بها وحرموا ركوبها على غيره، أو تكون مركبًا صنعت ليوم وفاته ليستخدمها في عالمه الآخر استخدامًا يناسبه، كأن يتنقل بها في أنهار الجنة أو يحج بها إلى مدن الحج العتيقة. ومن الاستثناءات اللطيفة في هذه المصاطب أن البعض منها غرست في الأرض أمام واجهاتها رءوس ثيران ضخمة شكلت من الطمي وزودت بقرون حقيقية، فبدت كما لو كانت تخرج من عالم آخر بعيد أو من محيط مائي عميق. ويبدو أن أمثال هذه الرءوس كانت تعلو أسوار بعض المصاطب أيضًا، وأنها كانت ترمز إلى المعبود حاب أحد أرباب منف وسقارة. وثمة استثناء آخر نفذه أحد المعماريين في مصطبة ثرى يدعى "نبت كا" حيث بنى جزأها العلوي على هيئة مسطح أفقي متسع تؤدي إليه درجات متعاقبة ضيقة من جهاته الأربع بحيث جعلت المقبرة على هيئة المصطبة المدرجة. ثم اهتدى غيره من المعماريين في عهده أو بعده بقليل إلى مرحلتين أخريين من التطور في بناء المصطبة، وتعمدوا في المرحلتين أن يدعموا جوانبها ويعملوا على حماية المدخل المؤدي إلى جزئها الأسفل. ونفذوا المرحلة الأولى ببناء إضافة من اللبن أحاطت بالمصطبة من كل جهاتها ولكنها قلت ارتفاعًا عنها وازادت سمك أسافل جدرانها. ثم أتموا المرحلة الثانية ببناء إضافة جديدة تشبه الإضافة الأولى وتعتمد عليها وتقل ارتفاعًا عنها. ولما أدت الإضافتان غرضهما العملي، وهو تقوية جوانب المصطبة وحماية مدخلها، ظهر لهما في مخيلة المعماريين غرض آخر فني، وهو إظهار المصطبة ذات السطح الواحد بمظهر المصطبة المدرجة ذات السطوح الثلاثة أو ذات الدرجات الثلاث، وذلك مما سيصبح أساسًا فيما بعد لفكرة الهرم المدرج. "راجع ص".

ونسب الأثري ولتر إمري خمس مقابر من مقابر سقارة، إلى خمسة ملوك من ملوك بداية الأسرات، كما أسلفنا، على الرغم من أن منهم من شادوا لأنفسهم مقابر أخرى في جبانة أبيدوس المجاورة لمدينة ثني بالصعيد. وبرر إمري ذلك بأنه كان لكل ملك مصري قبران، قبر باعتباره ملكًا للوجه البحري وقبر باعتباره ملكًا للوجه القبلي، وأن كل قبر منهما كان يبنى بأسلوب العمارة وتقاليد الدفن الشائعة في أحد الوجهين. ولما لم يكن من المعقول دفن الملك في قبرين، كان لا بد أن يكون أحدهم قبرًا فعليًّا والآخر ضريحًا رمزيًّا. ودهب عدد من الباحثين، في شيء من التردد، إلى أن مقابر سقارة كانت هي المقابر الفعلية؛ لاتصالها بمدينة منف عاصمة الحكم الرئيسية، وأن مقابر أبيدوس كانت مقابر رمزية تشبه المزارات والأضرحة، أقامها ملوك عصر بداية الأسرات قرب مدينة ثني عاصمة الحكم القديمة وفاء لها وتأكيدًا لاعتزازهم بالانتساب إليها١.

وللرأي السابق منطقيته؛ نظرًا لضخامة مقابر سقارة وفخامتها عن مقابر أبيدوس، ولكثرة الأتباع المدفونين حولها عن مقابر أبيدوس، وإن أمكن أن يعترض عليه في الوقت نفسه بعدة قرائن ومنها:

أ- أن مقابر سقارة نفذت بطراز معماري متشابه في مجموعها، فيما خلا تعديلات فردية قليلة، ولو صح


١ W. Emery, Hor-Aha, I, Great Tombs, Ii, ١٩٥٤; Vanier, Op. Cit., Ii, ١٤٢ F.
وراجع: دريوتون – فاندييه: مصر – ص١٥٣.

<<  <   >  >>