للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطنافس الحالية، وأنها كانت ذات حدائق وأحواض ماء داخلية، وتطل على شوارع متقاطعة ممهدة عبرت عن تناسقها رموز المدن المصورة على آثار عصرها. ولم تبق من أمثال هذه المساكن باقية، ولا تقتصر هذه الظاهرة على مساكن عصر بداية الأسرات وحده، وإنما تنطبق كذلك على أغلب المباني الدنيوية في عصور مصر القديمة، وفيما يعاصرها من مباني الحضارات الأخرى أيضًا؛ نتيجة لعدة أسباب، كان من أهمها: بناء غالبية هذه المباني من اللبن سريع التهدم، وكثرة استعمالها مما كان يؤدي إلى استهلاكها، ثم بناء مساكن العصور المتتالية على أنقاض مساكن العصور السابقة لها. وهكذا لم يتبق شيء منها إلا حيث أدت الظروف على هجران بلدة ما لأسباب قاهرة ثم تغطية الرمال والرديم عليها بعد هجرها أو نسيانها. وكان لاستخدام اللبن في بناء المساكن ما يبرره في دنيا الفقراء ودنيا الأغنياء على السواء، فيبرره للفقراء توافره وقلة الكلفة في البناء به، ويبرره للأغنياء ملاءمته لبيئة الشرق الحارة قليلة الأمطار، واللبن عازل جيد لا تتسرب الحرارة الداخلية منه بسهولة ولا يمتص الحرارة الخارجية بسهولة. ثم هي العادة أخيرًا اعتادها الناس في بناء مساكنهم أغنياء وفقراء. غير أنه لم يكن من الطبيعي بناء المسكن كله من اللبن، وإنما كانت أعتابه وأكتافه أبوابه وأعتاب نوافذه تصنع من الحجر كما أسلفنا، وأعمدته الداخلية كانت تنحت من الحجر كذلك إذا حملت فوقها ثقلًا كبيرًا. أو تصنع من الخشب إذا حملت ثقلًا خفيفًا، أو تبنى من اللبن المكسو بالملاط إذا كان الثقل فوقها بين بين.

أما عن بيوت الآخرة وهي المقابر التي كانت تستخدم للدفن لمرة واحدة أو لمرات معدودات، وتشيد في مناطق الحواف الصحراوية الجافة وتنحت أجزاؤها السفلى على أقل تقدير في باطن الصخر، ثم تكتسب بعد ذلك شيئًا من الحرمة أو القداسة، فلا زال الباقي منها أكثر من غيرها. وانتشرت بقاياها الحالية من عصر بداية الأسرات في مناطق كثيرة من الصعيد وأطراف الوجه البحري١. واختلف طرازها بعض الشيء في كل من الوجهين عن الآخر. وظلت أكثرها احتفاظًا بأجزائها العلوية هي مقابر سقارة التي سوق نكتفي فيما يلي بعرض خصائصها العامة.

امتازت مقابر سقارة بضخامتها واتساعها وبقاء أغلب أجزائها العلوية المبنية باللبن، وتضمنت حجرات قليلة منحوتة في الصخر حول حجرة الدفن تحت سطح الأرض وحجرات أخرى كثيرة داخل بناء المصطبة فوق سطح الأرض. وتعاقبت في واجهاتها الأربع دخلات "أو مشكاوات" رأسية تفاوتت في اتساعها وفي مدى إتقان بنائها وزخارفها من مصطبة إلى أخرى. ويستنتج من أطلال المصاطب الكبيرة منها أنه كان يحيط بكل واحدة منها سوران، وأن ما بين السورين كان يستخدم لأداء الشعائر الدينية للموتى وتقديم القرابين واجتماع الأهل في المواسم الدينية والتقليدية. وأن بعض هذه المصاطب كانت تحفر بجانبه حفرة على هيئة مركب تليس بالطين أو تكسى بقوالب اللبن. وربما وضعت فيها مركب خشبية حقيقية، وفي هذه الحالة


١ See G.A. Reisner, The Development Of The Egyptian Tomb Down To The Accession Of Cheops, ١٩٣٦; W. B. Emary, Excavations At Saqqara, ١٩٣٨, ١٩٣٩, ١٩٤٩, ١٩٥٢; J. Vandier, Manual D'archologie Egyptienne, I, ١٩٥٢.

<<  <   >  >>