للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبيل القلب واللسان، أو الفكر والكلمة، بدأ سعي الأرجل وحركات الأذرع وخلجات الأعضاء، وصدرت الشرائع وتهيأت الموارد وتعينت العبادات، وحق الأمان لأهل السلام وحق العقاب على أهل الآثام١. وهكذا اتجهوا بفكرة الخالق والخلق في مذهبهم إلى التجريد والمعنوية وعدلوا بها عن مادية التجسيد في مذهب عين شمس، وأوشكوا أن يرهصوا ببعض ما أكدته الكتب السماوية، حين ردوا الخلق إلى القلب واللسان بمعنى الإرادة والأمر، واقتربوا بذلك من قول التنزيل الحكيم {اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} ولم يعتبروا ربهم خالقًا فحسب وإنما اعتبروه مشرعًا وعادلًا أيضًا. ولم يفسد عليهم سمو تفكيرهم إلاأنهم اعترفوا بوجود أرباب كثيرين إلى جانبه وبرروا ذلك بأنه خلقهم من نفسه وتعهدهم وأمر بعبادتهم والاهتمام بمعابدهم باعتبارهم صورًا منه أو أقانيم له. وإن كان الحقيقة أنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا مما ألفه أسلافهم وورثوه عنهم من عبادتهم.

حفلت مدن عصر بداية الأسرات بعمرانها، وتمثلت قرائن هذا العمران فيما ذكرناه عن أطلال أسوارها وحصونها ومعابدها، كما تمثلت في رسول ونقوش مختصرة صورها أهل العصر على آثارهم الصغيرة، ورمزوا ببعضها إلى واجهات قصور ملوكهم وواجهات أسوارها. وكانت قصورًا كبيرة فخمة، شيدت من اللبن، واستخدم الحجر فيها على نطاق ضيق لإقامة أعتاب الأبواب وأكتافها وللأعمدة. وتعاقبت في أسوارها دخلات عميقة "تسمى اصطلاحًا باسم المشكاوات" تمتد رأسيًّا بارتفاع جدرانها وتتعاقب على جوانب الأبواب، وتبعد كل دخلة منها عن الدخلة التي تليها بمسافة متساوية. وكان الهدف منها أن تقلل حدة الاستقامة في واجهات الأسوار المتسعة، وإذا لونت جوانبها وسطوحها الداخلية وزخرفت برسوم النباتات والزهور احتفظت بألوانها أطول مدة ممكنة وخلعت على مبناها صورة بهيجة مستحبة. ومن المحتمل أن الحراس كانوا يستظلون فيها من الشمس ويحتمون فيها من برد الليل حين الضرورة. وتوسط واجهة كل قصر من هذه القصور مدخلان يرمز أحدهما إلى الصعيد ويرمز الآخر إلى الدلتا؛ أو ثلاثة مداخل: مدخل ملكي رئيسي واسع ومدخلان صغيران على جانبيه٢.

ويغلب على الظن أن مباني قصور الأمراء وكبار الموظفين، كانت على شيء قريب من فخامة قصور الفراعنة، أو على الأقل لم تكن تقل فخامة وضخامة عن مباني قبور أصحابها التي لا تزال أطلالها باقية. ويبدو أن جدران حجراتها الرئيسية كانت تكسى من الداخل بالحصير الملون الفاخر الذي يقوم مقام الستائر أو


١ See, A. Erman, Ein Denkmal Memphitischer Theologie, ١٩١١; K. Sethe, Dromatische Texte, ١٩٢٨; H. Breasted, The Dawn Of Concience, ١٩٣٣, ٢٩ F. ; H. Junker, Die Gotter;Ehre Von Memphls, ١٩٤٠.
وراجع: عبد العزيز صالح: "فلسفات نشأة الوجود في مصر القديمة" – المجلة – فبراير ١٩٥٩، ص٣٩ - ٤١.
٢ Ajex. Badawy, Le Dessin Architectural Chez Les Anciens Egyptiens, Le Cairo, ١٩٤٨, ٧٦ F.; Jequier, L'archiecture, ١٩٢٤; H. Baicz, Die Altogyptische Wandgiederung, ٥٤ F.; W. Wolf, Zaes, Lvii, ١٢٩ F.

<<  <   >  >>