أشبه بمدينة عامرة يطرقها أهلها في مناسبات كثيرة تتعلق بدنياهم ودينهم وموتاهم. ويسكن فيها القائمون على شعائرهم وإدارتها والمتكفلون بحراستها، ويتردد عليها الزائرون المعجبون بفخامتها وفن بنائها.
وألحقت بها مخازن غلال كبيرة لعلها استخدمت في تموين العمال والصناع أثناء بناء الهرم وتوابعه، ثم استخدمت لتموين كهنة المنطقة وموظفيها بعد ذلك.
وإذا كنا قد قدمنا لمجموعة زوسر ببعض التجديدات الفنية في أسلوب بناء أساطينها وأبوابها وسقوفها فما من بأس في أن نعقب بخصائص أخرى مبسطة تعمدها المعماريون في بنائها ونترك بقيتها لكتاب آخر عن العمارة والفنون بمعناها الصريح. ومن هذه الخصائص استخدامهم أحجارًا صغيرة الحجم والاتساع. وتشييدهم مداميك الحجر في الهرم مقوسة إلى أسفل جريًا على عادة بنائي اللبن الذين يخشون انزلاق صفوفه وتشقق الجدران لو بنوا مداميك اللبن أفقية مسطحة. وعدم إقامتهم أسطونًا بقطره كاملًا. واكتفاؤهم بإقامة الأساطين نصف أسطوانية تعتمد على واجهات مبانيها أو تعتمد على جدران نصفية ساندة. وقد يرجع هذا وذاك على ذوق فني استحبوه أو يرجع إلى أنهم وهم لا يزالون في بداية عهدهم ببناء العمائر الحجرية لم يكونوا مطمئنين تمامًا إلى استخدام الأحجار الكبيرة أو ترك الأساطين منفردة بذاتها. ومن الخصائص كذلك استمرارهم على تقليد عمارة الخشب واللبن القديمة ولو لم تكن لها ضرورة إلا إظهار البراعية واستخدامها في الزينة. فقد زخرفوا الأجزاء العليا من واجهة السور الضخم بمربعات صغيرة محفورة قليلة العمق تصل بين كل حجر والحجر الذي يعلوه، ونحتوها لغرض الزخرف أولًا وليقلدوا بها وصلات وتعاشيق العمارة الخشبية القديمة ثانيًا. وبنوا سقوفًا حجرية مقبية قلدت أقبية اللبن والنبات القديمة. وجعلوا الأطراف العليا لواجهات بعض المقاصير مائلة في جانبيها لكي يقلدوا بها هيئة أطراف أعواد الغاب وجريد النخيل التي كانت تتداخل في بناء أكواخ العبادة القديمة وأسوارها، وبدءوا بها عنصرًا معماريًّا مميزًا يطلق عليه اصطلاحًا اسم الكورنيش المصري. وزخرفوا واجهات أخرى بما يمثل عقودًا معمارية مقوسة مفتوحة. وأقاموا جدرانًا منخفضة تقلد ستائر البوص والحصير الفاخرة التي كانوا يقيمونها مقام الحواجز بين مقاصير العبادة الإقليمية ويعقدون أطرافها العليا في هيئات زخرفية لطيفة. واستعاضوا عن بعض الأركان الرأسية في واجهات مبانيهم بأركان ملفوفة تكفل التنوع المعماري وتقلل الاحتكاك والتآكل من ناحية، وتوفر المساحة إلى جانبها من ناحية أخرى، وتظهر براعة النحت من ناحية ثالثة. وشكلوا أركانًا أخرى على هيئة سيقان الغاب التي كان أجدادهم الأقدمون يدعمون بها جوانب أكواخهم النباتية ويشدون جدرانها إليها بالحبال.
وإلى هذا الحد يتضح كيف كان معماريو عصر الأسرة الثالثة فنانين ولم يكونوا مجرد بنائين، وكيف كانت مشاعرهم ذواقه وأذهانهم مشحونة بحب التنويع، ولم تكن مجرد أذهان ومشاعر آلية عملية تسير على وتيرة جامدة. وكيف كانت أيديهم تهتم بكل تفصيل كما لو كان وحدة قائمة بذاتها دون أن تكتفي بالمظهر العام بسيط التنفيذ.
لم يكن المجد الفني قاصرا على المعماريين وحدهم وإنما شاركهم فيه فنانو النقش والنحت أيضًا. ونقش الفنانون ست لوحات أسفل الهرم وأسفل مقبرة تجاوره تسمى المقبرة الجنوبية. صوروا فيها فرعونهم يؤدي