للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذي الضوء الساطع، الذي اعتبروه أنثى وسموه سوبدة، عن مجال الرؤية نحو سبعين يومًا، يعود فيتألق في أفق السماء ويبقى حتى مطلع الشمس المبكر كأنما ليبشر ببداية الفيضان. ولما استقرت هذه الظاهرة في أذهانهم، ولحظوها زمنًا، أصبحوا يترقبون اجتماع هذه الظواهر الطبيعية عن قصد، وأطلقوا على الشعرى لقب جالبة الفيضان، واعتبروا بداية ظهورها في الأفق الشرقي عند الفجر "حوالي ١٧ يوليو من التقويم اليولياني" أول يوم في أول شهر في أول فصل، وهو فصل الفيضان. ثم حسبوا ما بين كل ظهور صادق وظهور صادق آخر للشعرى مع مطلع الشمس، فوجدوه ٣٦٥ يومًا، ووجوده يتضمن اثني عشر شهرًا قمريًّا وكسورًا لا تصل إلى نصف شهر، فأكملوا عدة كل شهر ثلاثين يومًا وتبقت خمسة أيام احتسبوها نسيئًا وأعيادًا. ثم اعتبروا السنة ثلاثة فصول: فصل الفيضان "آخة"، وفصل خروج النبت "من الأرض" "برة" وهو يوازي فصل الشتاء، ثم فصل التحاريق "شمو". وكان من المتوقع أن تتم هذه الخطوة البارعة في عهد نشاط ينزع أهله إلى التجديد ويسعون إليه، وكان فيما يرجحه المعترضون على رأي زيته وزملائه عهد زوسر. ولم يسجل المصريون شيئًا عن مراحل هذه الخطوة في حينها أو في عهد آخر من عهود الدولة القديمة، ولكنهم أرخوا بالفصول والشهور الاثني عشر بالفعل بعد عهد زوسر١. ثم أشار خلفاؤهم إلى دورة الشعرى في وثائقهم ثلاث مرات على أقل تقدير على فترات متباعدة٢. غير أن هذه الخطوة التي ربط المصريون بينها وبين دورة الشعرى، كما ربطوا بينها وبين الانقلاب الشمسي قصدًا أو اتفاقًا، وقسموا الشهور على أساسها اثني عشر شهرًا، وسبقوا بها كل شعوب العالم القديم التي ظلت تؤرخ بالتقويم القمري وحده لم تكن بغير نقيصة تؤخذ عليها، فهم قد احتسبوا سنتهم ٣٦٥ يومًا وليس ٣٦٥ يومًا وربع يوم، وكان من شأن ربع اليوم أن يصبح يومًا كل أربع سنوات، ويصبح شهرًا كل ١٢١ عامًا وربع عام تقريبًا، وبمعنى آخر كان من شأن بداية السنة المدنية الفلكية "الشمسية الشعرية" أن تتأخر عن بداية الفيضان الفعلية شهرًا بعد كل ١٢١ عامًا وربع عام، ثم لا تعود لتتفق معها إلا بعد أن يبلغ الفارق بينهما حولًا كاملًا، بعد كل ١٤٥٦ عامًا.

ولم تتكرر ظاهرة الاتفاق بين البدايتين، بداية السنة المدنية أو الفلكية وبداية الفيضان، غير ثلاث مرات منذ أن بدأ المصريون توقيتهم: عام ٢٧٧٣ق. م وهو عام البداية٣، وعام ١٣١٧ق. م وهو عام تو سيتي الأول، ثم عام ١٣٩م – وقد سجل هذه المرة الأخيرة الروماني المتوطن كنسورينوس وأثبت أن نجم سوبدة ظهر في موعده٤.


١ ذكر فصل "شمو" في حوليات سنفرو رأس الأسرة الرابعة.
وتأكد اعتبار السنة ٣٦٥ يومًا في حوليات الأسرة الخامسة، ولو أن هذا لا يمنع من أنه بدأ قبلها.
٢ في وثائق من العام السابع لحكم سنوسرت الثالث حوالي عام ١٨٧٢، وفي العام التاسع من حكم أمنحوتب الأول حوالي ١٥٣٦، وخلال عهد تحوتمس الثالث حوالي عام ١٤٦٩.
٣ أو عام ٢٧٧٦ كما يظن شارف، أو بين ٢٧٧٠، ٢٧٩٨ كما يظن سيدني سميث، أو بين ٢٧٧٣ - ٢٧٧٠ كما يظن ... J. Arch., Xlix, ١٩٤٥, ٢٤.
٤ أما في عرف من رجعوا ببداية التوقيت على فجر التاريخ فقد حدث التوافق أربع مرات بدأت أولاها بين "٤٢٤١، و٦ ... ق. م. أو بين ٤٢٢٩ و٤٢٢٦ق. م.

<<  <   >  >>