للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في سبيل تحصيل الرزق شقاءهم. ويخففوا عن المكلفين بمشروعات الفرعون متاعبهم، بشيء من الأمل فيما ينتظرهم في الآخرة من الشفاعة والرضا وحسن الجزاء من فراعنتهم الذين أوهموهم أنهم سوف يتحكمون في شئون الحياة الثانية كما تحكموا في شئون الحياة الدنيا سواء بسواء.

ولكن ألم يكن أولى بفراعنة البلاد أن يعملوا على توجيه الجهود التي بذلها رعاياهم في تشييد أهرامهم ومعابدها إلى أنواع عمرانية أخرى يعم نفعها على جمهرة شعبهم؟ ليس من شك في أننا لو حكمنا منطق عصرنا الحالي، لأجبنا بالإيجاب، وأن ذلك كان أولى بهم وأنفع لشعبهم فعلًا. ولكن علينا أن نعترف من ناحية أخرى أنه كان للدولة مشاريعها لعمرانية العامة فعلًا وهي ما كلفت لها الثراء العريض، وأن نقدر من ناحية أخرى أن لكل عصر منطقه، وأن المبادئ التي يتبينها أو يعتنقها عصر معين ليس من الضروري أن يتبينها عصر آخر أو يسلم بها. ثم إنه ليس أيسر على أنصار الحاكم في كل مجتمع وكل زمان من أن يقنعوا أنفسهم أو يخدعوا أنفسهم ويخدعوا الناس معهم، بأن حاكمهم يعتبر دائمًا رمزًا لشعبه، وأنه ما من بأس في أن تبذل الدولة والشعب في سبيله كل مرتخص وغال، وأنه سوف يرفع من سمعة أهل عهده أن يشيدوا له آثارًا تفوق ما شيده أسلافهم لسلفه، ويرفع ذكرهم كذلك أن تتعجب الأجيال التالية لعهدهم مما أنفقوا جهودهم في تشييده والارتفاع ببنيانه. والواقع أنه إذا كان لكل طائفة من الحكام آفة، وكان من آفة حكام آشور والفرس القدماء مثلًا حب البطش والنهم إلى الجبروت، وكان من أمر الحكام الرومان الأقدمين مثل أمرهم من القسوة والفساد، وكان من آفة حكام العصور الوسطى الشرقيين بذل جانب كبير من موارد أممهم وبيوت أموالها في سبيل بناء القصور وحياة الاستمتاع ومدائح الشعراء، فقد كان من آفة الفراعنة المصريين أنهم وجهوا جانبًا كبيرًا من موارد أرضهم إلى صالح المعابد والتماثيل والأهرام فضلًا عن القصور، وابتغوا بذلك تكريم الأرباب، ونعيم الآخرة، واستمالة الكهان، وحسن الثواب، وأن يظهروا في سمات التقوى والصلاح، كما ابتغوا به الجري وراء التقليد وخلود الذكر والتفاخر فيما بينهم في أغلب الأحيان.

ومهما يكن من أمر، فقد اشترك آلاف العمال والصناع فعلًا في بناء هرم خوفو وبناء معبديه وملحقاته، سواء عن رغبة في تحصيل الرزق، أو بناء على تكليف "أو تسخير" من الحكومة، أو طاعة منهم للفرعون ذي القداسة التقليدية في الدنيا، أو تصديقًا لما أوهمهم الكهان به عما ينتظرهم منه في الآخرة من الشفاعة وحسن الجزاء، ولكن كيف كانوا يعاملون؟ وهل كانوا يؤجرون؟

ليس من آثار أو نصوص باقية لخوفو بالذات تكشف عن طريقة معاملة رجاله لعماله، ولكن يمكن أن نستشهد في سياق ذلك عن طريق غير مباشر بما عرفناه عن تخصيص شون للغلال في مجموعة زوسر بسقارة لتموين العمال وقت بناء الهرم ثم تموين الكهنة بعد بنائه، وما سوف نذكره عن تخصيص عدد من المساكن للعمال بجوار هرم خفرع لإيوائهم عوضًا عن تركهم يبيتون في العراء. وقد تخلفت نصوص لأثرياء من عصر الأسرة الرابعة نفسها وأثرياء عهود مختلفة أخرى بعدها من الدولة القديمة، تعمد أصحابها أن يصوروا بها الظروف التي شيدوا فيها مقابرهم، والأساليب التي عاملوا بها من استأجروهم فيها، فقال رجل

<<  <   >  >>