للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلت بورخارت يقدر أن مساحات الجدران التي أعدت للنقش في مجموعة ساحورع ثاني ملوك الأسرة بلغت نحو عشرة آلاف متر مربع "لم يبق منها حتى الآن للأسف عبر مائة وخمسين مترًا مربعًا"، وصورت هذه المناظر انتصارات الفراعنة، علاقاتهم بأربابهم، وبعض أعيادهم الرئيسية، وصورت جوانب من حياتهم الخاصة، وجوانب من أعمال شعبهم، كما صورت السفن النيلية الكبيرة تفد من أسوان إلى منطقة المعابد محملة بالكتل الجرانيتية الضخمة، والسفن البحرية الكبيرة التي ترددت في عصرهم بين مصر وبين وفينيقيا تحمل الرسل والمتاجر والمصنوعات والحيوانات الغريبة كالدببة.

ولم تخل التفاصيل المعمارية الصغيرة في معابد الأسرة الخامسة من تجديدات. واهتمت بعض هذه التفاصيل بتنظيم وسائل تصريف المياه من سطوح المعابد وأرضياتها فضلًا عن أرضيات الطرق الواصلة بينها. وكانت وسائل تصريف المياه قد بدأت في مباني عصر الأسرة الرابعة على أقل تقدير، ولكنها بلغت درجة واضحة من الذوق المعماري في مباني عصر الأسرة الخامسة، فأصبحت مياه السطوح تنساب إلى ميازيب شكلت نهاياتها على هيئة رءوس أسود ضخمة تتناسب هيئاتها مع ضخامة المباني وفخامتها، ويمر المجرى عادة من تحت ذقن الأسد. أما مجاري الأرضية فكانت تنحت ضيقة في الأرضية الحجرية أحيانًا، وتجري في مواسير من النحاس أحيانًا أخرى، ثم تنتهي إلى حوض كبير من الحجر.

ثالثًا- متون الأهرام: حفلت جدران حجرة الدفن والقاعة المؤدية إليها في آخر أهرام ملوك الأسرة الخامسة زمنًا وهو هرم ونيس "وليس أوناس كما تذكره بعض المؤلفات عادة"، بمتون دينية وأسطورية كشف عنها في أواخر القرن الماضي. وقد نقشها الفنانون بالكتابة التصويرية الهيروغليفية، فخرجت معجزة في إتقان نقشها ورقة حروفها ودقة التفاصيل الصغيرة في صورها البشرية والحيوانية والطبيعية التي تداخلت في تكوين مقاطع جملها ومخصصاتها. ثم لونوها بألوان ممتعة لا زالت تحتفظ بجانب كبير من رونقها وبريقها وجمالها حتى اليوم على الرغم من مرور ما يقرب من أربعة وأربعين قرنًا عليها. وزخرفوا معها سقف حجرة الدفن بأشكال النجوم حتى بدا كأنه سماء تظل جثة الفرعون وتحتويها١.

نقشت متون الأهرام لأول مرة في هرم ونيس كما ذكرنا، في أواخر القرن الخامس والعشرين ق. م. على وجه التقريب. غير أن ذلك لا يعني أنها ألفت في عهده لأول مرة، أو أنها كانت من وضع فرد بعينه، أو أنها اقتصرت على عقائد عصر بعينه. وإنما هي على الأرجح من حصيلة عصور وقرون طويلة، وإنتاج كفايات فكرية متباينة، ومذاهب دينية متعددة، ظلت نصوصها وأفكارها متفرقة قبل عهد ونيس في صدور الكهان وعلى أفواه الرواة والمحدثين وعلى صفحات البردي ولخاف الفخار والأحجار عهودًا طويلة، حتى


١ كتب عن متون الأهرام باحثون كثيرون، ومن أوضحهم في كتابته عنها الأستاذ جيمس هنري برستد في كتابيه:
٢ J.H Breasted, Development Cf Religion And Thought In Ancient In Ancient Egypt. London, ١٩١٢ ; And The Dawn Of Conscience, New Yourk, ١٩٣٣.
See Also. S. Mercer, The Pyramid Texts; Lodon, ١٩٧٠.

<<  <   >  >>