صحت الرغبة في عهد ونيس في تسجيلها في باطن هرمه، تأكيدًا لاستفادته الأخروية من تراتيل الدين التي تضمنها، وربما تعويضًا لفخامة هرمه عن صغر حجمه. وحينذاك توافد على المشرفين على بناء هرمه كل من ظن أنه يعرف من التعاويذ والتراتيل ما ينفع الفرعون في أخراه، وكل من ظن أنه يعرف عن عقائد الأقدمين وأساطيرهم ما لا يعرفه سواه، توافدوا جميعهم على المشرفين على إعداد الهرم؛ رغبة منهم في إظهار علمهم حينًا، وتقربًا منهم إلى صاحب الأهرام حينًا، وطمعًا في خيراته في أغلب الأحيان. فتقبلوا منهم كل ما تتسع له المسطحات المعدة للنقش في باطن الهرم فيما خلا الجدار الغربي لحجرة الدفن حيث يوضع التابوت عادة، وحيث يصبح بوسع الفرعون الثاوي فيه على جانبه أن يرى ويقرأ ما يمتد إليه بصره مما حوله من التراتيل والدعاوت والأقاصيص. وترتب على تنوع مصادر متون الأهرام وتعدد مؤلفيها أن خرجت في نهاية أمرها تحمل أكثر من دلالة على أصحابها وتحمل أكثر من دلالة للباحثين فيها. فظهرت فيها أخيلة عدة صورت بعث الفرعون وخلوده وأشادت بتمجيده. وظهرت فيها صيغ كثيرة كانت تتلى عند تقديم القرابين باسم الفرعون لتحويل نفعها إلى روحه. وظهر فيها كثير من أسماء الأرباب وصفاتهم. وكثير كذلك من الصفات القدسية المسرفة التي اعتاد الكهان والساسة وأهل البلاد أن يخلعوها على ملوكهم تقربًا منهم. وكثير من تصورات المفكرين عن الخلق الأول ونشأة الوجود. وكثير من قصص الرواة عن الحوادث القومية القديمة، وكثير من تصورات رجال الدين عن العلاقات بين أرباب التاسوع الأكبر لا سيما أتوم ورع وأوزيروست وإيسة وحور. وكثير من أماني المؤمنين في الآخرة وجناته، وكثير من مخاوفهم من أخطارها وعقباتها. وكثير من تصوراتهم عن سلطان الفراعنة فيها.