على نحت مقابرهم في سفوح التلال في مناطق حكمهم بعيدًا عن جبانة العاصمة. وشيد بعض هؤلاء وهؤلاء لأنفسهم مقابر واسعة ذات حجرات عدة وأبهاء ذات عمد، وضمنوها عددًا من تماثيلهم الكبيرة والصغيرة ووضعوا في جزئها الأسفل عددًا كبيرًا آخر من التماثيل الصغيرة لأتباعهم وخدمهم الذين تمنوا أن يقوموا بخدمتهم في دنياهم الثانية، وعنوا بزخرفة جدران مقابرهم بنصوص ومناظر كثيرة اتسمت في مجملها بطابع الزخرف والألوان البهيجة، وشاعت فيه النقوش الهادئة متوسطة البروز، وغلبت الحيوية والنضارة على صور ناسها وطيورها وحيواناتها، وتنوعت موضوعاتها ورمزت إلى ما كانوا يملكونه من ضياع وأنعام ومراكب للصيد والنزهة والانتقال، وأشارت إلى من كانوا يتبعونهم من جماعات الكتبة وجماعات الصناع "وهي جماعات محدودة العدد بطبيعة الحال"، ورمزت إلى ما كانوا ينعمون به من حياة رغدة ومن رعاية الخدم والأتباع. ومن أمتع ما يستشهد به من مقابرهم من حيث أسلوبها المعماري وأسلوبها الفني، ومن حيث تنوع مناظرها التي تصور الحياة اليومية داخل البيوت وخارجها، مقبرة "تي" أحد رؤساء دواوين الكتاب في عصره، وأخرى للوزير "بتاح حوتب" الذي عاصر الفرعون إسسي. وقد توفر لهذا الوزير "بتاح حوتب" نصيب واسع من الشهرة، وقدر لاسمه أن يخلد في عالم الأدب المصري القديم قرونًا طويلة، حيث سجلت له نصائح في آداب المعاملة والسلوك نصح ولده بها، وابتغى أن يتأدب بها بقية الشبان في مثل سنه، وحاول خلالها أن ينظم علاقة ولده بقرارة نفسه وأسرته وعمله ومجتمعه، وأن يجعله على تقى من ربه. فدعاه فيما دعاه إلى أن يراعي التوسط في اختيار مناسبات صمته ومناسبات كلامه، ويراعي التوسط في معاملته لنفسه ومطالب بدنه، ويراعي التوسط في معاملته لرئيسه ومرءوسه، مما سنعالجه بتفصيل في حديث الأدب.