للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعثر في مقبرة مكت رع بمنطقة الدير البحري في طيبة١ على نماذج كثيرة لأدوات زينته وأناقته، ونماذج أخرى طريفة لداره أو دواره وما كان يلحق بها من مكاتب ومصانع وحظائر ومخازن، فضلًا عمن كانوا يعملون فيها من موظفين وأتباع وصناع. وتبقى من نموذج لمسكنه الخاص جانب أمامي من طابق أول لا يختلف كثيرًا عن الطوابق الأولى في الفيلات الحديثة، يتألف من فناء متسع يتوسطه حوض ماء مستطيل كبير، تشرف الأشجار على جانبيه، وتلا الفناء صفة مرتفعة أو فراندة متسعة يعتمد سقفها على ثمانية أساطين خشبية دقيقة ملونة، شكلت سيقانها وتيجانها على هيئة اللوتس والبردي.

وتخلف من ملحقات الدار أو الدوار نموذج لمصنع غزل ونسيج تعمل فيه طائفة من النساء، وكان صاحبه يؤدي ضرائبه العينية إلى الدولة، وربما اشتغل لحسابها أيضًا، ونموذج مصنع للنجارة يعمل فيه صناعة ويستخدمون أدوات يدوية لا تزال تستعمل حتى الآن، وأخصها المناشير والأزاميل والدقاميق. ونموذج كرار لتخمير الجعة وتصفيتها، وآخر لمعجن ومخبز يعمل فيه رجال ونساء، وغيره لحظيرة متسعة جاورتها ظلة مرتفعة فسيحة جلس فيها رب الدار ومن حوله حراسه حاملو الحراب، وكتبته الذين جلس كل منهم أما منضدة حجرية صغيرة وضع فوقها أدوات كتابته. وهكذا احتفظت نماذج مكت رع بصورة لثراء المترفين في عصره، عصر الأسرة الحادية عشرة، ونمت عن أنه كان من أصحاب الأملاك من حققت لهم أملاكهم الواسعة حظًّا من الكفاية الذاتية في إنتاج مطالبهم ومطالب أسرهم وأتباعهم المحيطين بهم.

ولم تتضمن مقبرة مكت رع صورة من حياة النعيم وحدها، وإنما تضمنت في الوقت نفسه مئات من أسلحة الحرب ونماذجها، لا سيما الحراب والأقواس وجعاب السهام، وذلك مما يعني أحد فروض ثلاثة، وهي: أن الرجل كان من هواة جمع الأسلحة وكان يحتفظ بها في قاعة بداره، أو أن تقاليد عصره كانت تفرض على الأثرياء أن يحتفظوا بأسلحة كثيرة ليزودوا بها رجال أقاليمهم حين تطلب الدولة منهم تسليحهم. أو أن أيام مكت رع بالذات كانت أيامًا مضطربة وكان عليه أن يترقب مفاجآتها بأسلحته. وكل فرض من هذه الفروض الثلاثة محتمل.

لم تقتصر مخلفات عصر الأسرة الحادية عشرة على نماذج المساكن الثرية وحدها، وإنما احتفظت معها بنماذج صغيرة من الطين قلدت التخطيط العام لبيوت أهل الطبقات الفقيرة والطبقات الوسطى، وظهرت هذه النماذج منذ نهاية الدولة القديمة، واستمرت خلال عصر الانتقال الأول، ثم اكتملت عناصرها لي بداية الدولة الوسطى، واقترح فلندرز بترى تسميتها باسم بيوت "الكا"، إيماء إلى تخصيصها لنفع النفس "أو الروح" في أخراها٢.

وظلت نماذج البيوت الفقيرة منها لا تعدو فناء مسورًا بسور طيني خفيض، يقوم في مؤخرته من الداخل كوخ "خص" مقبى السقف مبني بجواليص الطين، أو تحل محله صفة "تسقيفة" متواضعة مسطحة أو


١ H.E. Winlock, Excavations At Deir El-Bahari, ١٩٤٢, ٥٨ F.
٢ Petrie. Gizah And Rifeh, I, Xiv F. ; Egyptian Architechure, Pl. Xxiv. Etc.

<<  <   >  >>