للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دواخلها، وأنه وسع مفهوم البأس بشجاعته وأعماله ... ، وادعى أنه أذل الأسود وأخضع التماسيح ... ، غير أن ذلك كله لم يجد، فانقلب عليه أقرب الناس إليه، وتعمد من طعم خبزه أن يحرض القوم عليه، كما تعمد من تلقى يد المعونة منه أن يستغلها في خلق المتاعب ضده، وذكر أمنمحات أن المتآمرين دبروا أمرهم خلال غياب ولده، فحدث ذات ليلة بعد العشاء، وحين أرخى الليل سدوله، وبعد أن استرخى هو في مضجعه، أن سمع صليل السلاح وحديثًا يقال عنه، فظل في فراشه يقظًا كثعبان الصحاري، ثم نهض ليدافع عن نفسه، ووجدها مؤامرة من بعض الحراس، فاستل سلاحه، وكان كفئًا لهم كما قال، لولا أنه "ما من شجاع بلبل" و"وما استطاع إنسان أن يحارب بمفرده"، "وما تم أمر ناجح بغير مساعد"، على حد تعبيره١، ووجه أمنمحات وصيته إلى ولده من وحي هذه التجربة، فأوصاه بالحذر، وبألا يقرب الناس وحيدًا، وألا يسرف في الإخلاص لمن يدعي أخوته، أو يصطفى خليلًا لنفسه، وعلل ذلك كله بأن المرء قد يفتقد أهله في يوم الشدة.

وتشعبت الآراء في تصوير نهاية أمنمحات وفي استخلاص النتائج من وصاياه، فظهر منها رأيان: رأي اعتقد أصحابه أن المؤامرة حدثت في العام العشرين من حكمه وأنه نجا منها وتعمد بعدها أن يشرك ولده سنوسرت في الحكم؛ ليسانده ويشد أزره. ثم رأي آخر اعتقد أصحابه أن المؤامرة حدثت في العام الثلاثين من حكمه وأنها أدت إلى مقتله بالفعل، وأن ولده سنوسرت أوحى إلى أديب من أهل عصره بأن يقصها على لسان أبيه كما لو كانت قد صدرت عنه قبل أن يسلم روحه، أو كما لو كانت قد صدرت عنه وحيًا من السماء بعد أن ارتفع إليها، وقدم كل من أصحاب الرأيين قرائنهما، وقد رجحنا الرأي الأول منهما بقرائن جديدة نحيل المتخصص إليها في كتابنا آنف الذكر.

على أنه مهما يكن من أمر المؤامرة ضد أمنمحات، فقد استفادت مصر من جهوده، كما استفاد بخبرته ولده سنوسرت الأول "خبر كارع" الذي طال حكمه أربعة وثلاثين عامًا فضلًا عن العشرة التي قضاها مشتركًا مع أبيه. وكان الابن خصيفًا ليم يسلم تمامًا بحرفية وصايا أبيه وأدرك أن دعوة الحذر التي دعاه إليها كانت مجرد رد فعل مؤقت للمؤامرة الغادرة التي صدم بها، فجرى مع روح عصره ولم يتردد في أن يقرب إليه ذوي الكفاية من رجال دولته، ويسر لهم السلطان الواسع تحت إشرافه. وترتب على ذلك أن وزيره "مونتوحوتب" لم يجد ما يمنعه من أن يشيد بنفسه الإشادة الواسعة تحت سمع مولاه وبصره. فذكر في نصوصه أنه كان ربانًا للشعب ... ، قيم القسطاس مثل الإله تحوتي "رب العدالة والميزان" ... ، وأنه كان يعتبر أخًا لهذا الإله "في عدالته وحكمته". ويعرف بواطن النفوس جميعها، كما كان حسن الإصغاء نافعًا حين الكلام حلالًا للمشكلات٢. وفي كل هذا ما يعد بنا إلى صفات الحاكم الصالح والمواطن القادر التي دعا القروي الفصيح بمثلها أيام العصر الأهناسي.


١ Pap. Millingen ; See, G. Maspero, Les Enseignements D' Amenemhail Ier, ١٩١٤ ; A. Erman, Die Lierotur Der Aegypter, ١٠٨ F. ; A. Volten, Zwei Altaeg. Politische Schriften, ١٩٤٥;
٢ G. Posener, Litterature Et Politique Dans L' Egypte De La Xlle Dynastil, ١٩٥٦. Cairo ٢٠٥٣٩.

<<  <   >  >>