للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسرت روح الطمأنينة التي شجعت هذا الوزير على أن يفخر بمكانته بين شعبه ويدعي الأخوة لربه، إلى كبار رجال الأقاليم المتمتعين برضا الفرعون وتأييده، فذكر رجل يدعى "أميني" كان حاكمًا على إقليم الوعل في مصر الوسطى أنه توخى العدالة المطلقة في حكم إقليمه، وأنه تنزه عما يأتيه أصحاب السلطة إذا توافرت لهم السلطة. فقال وهو يفخر بنفسه ويؤكد عدله: "لم أسئ إلى ابنة موطن قط، ولم أزجر أرملة، ولم أقس على مزارع، ولم أبعد راعيًا، ولم أحجر على عمال أو ريس أنفار في مقابل الضرائب المستحقة عليه، ولم يكن بين قومي بائس أو جوعان ... ، وعندما تعاقبت سنوات القحط أشرفت على استغلال إقليم الوعل من جنوبه إلى شماله، وكفلت الحياة لأهله ووفرت لهم الأقوات، فقل بينهم المحتاج، وأهديت الأرملة، كما أهديت ذات البعل، ولم أميز عظيمًا على فقير فيما أعطيته. وعندما عادت الفيضانات العالية وازدادت المحاصيل وتوفر كل شيء، تجاوزت عن متأخرات ضرائب المزارع"١. ولم يتردد الرجل مع شعوره بمكانته في أن يؤرخ نصوصه التي سجلها في مقبرته بتاريخ ولايته إلى جانب تأريخها بتاريخ حكم فرعون عهده٢.

وكان في سعة الألقاب التي ادعاها حكام الأقاليم حينذاك واحتفاظ أغلبهم بقوات محلية كبيرة في أقاليمهم، وجرأة مثل أميني على تأريخ نصوصه بسنوات ولايته، ما دعا الأستاذين هرمان كيس وألن جاردنر إلى اعتبار النصف الأول من عصر الأسرة الثانية عشرة عصرًا إقطاعيًّا من نوع جديد، لم تهن فيه سلطة الملوك، ولكن تضخمت فيه سلطة حكام الأقاليم برضا الملوك ولصالح الرعية٣. واستمرت هذه الأوضاع قائمة في النصف الأول من عصر الأسرة، خلال عهدي كل من أمنمحات الثاني وسنوسرت الثاني.

ثم اتجهت السياسة الداخلية وجهة مختلفة بعض الشيء في عهد سنوسرت الثالث "خع كاورع"، وكان فرعونًا طموحًا شديد المراس، عمل على أن يقلل سلطان حكام الأقاليم الذين آزرهم أسلافه وعلى أن يقضي على إصرارهم على توريث أبنائهم حكم أقاليمهم حتى ولو كان الوريث طفلًا صغيرًا٤. فقلت في أواخر عهده الألقاب الضخمة التي اعتاد كبار حكام الأقاليم أن يدعوها لأنفسهم في حماية أسرته منذ أن استعان جده الأكبر أمنمحات الأول ببعضهم لتدعيم ملكه، كما قلت مقابرهم الضخمة الفخمة التي اعتادوا على أن يتخذوها في أقاليمهم٥. ولو أن هذه السياسة التي اختطها لحكومته المركزية وعمالها لم تؤد إلى الإحجاف بالحقوق المشروعة والثروات المعقولة للعاملين المخلصين من حكام الأقاليم في عهده. ودل على ذلك أن تضمنت مناظر مقبرة حاكم منهم يدعى "تحوتي حوتب" في منطقة البرشة ما يصور تمثالًا ضخمًا يمثله، أذن الفرعون له بإقامته في مقصورة مقبرته، وذكر أن ارتفاعه يقرب من ستة أمتار وثلاثة أرباع المتر، وأنه تكفل بنقله وسار في الاحتفال بإقامته ١٧٢ رجلًا بين مأجورين ومجندين ومتطوعين٦.


١ Newberry, Bent Hasan. I, Pl. Viii; Bieasted, Op. Cit. ٥١٩, ٥٢٣.
٢ Ibld., ٥١٨.
٣ Kess, Ancient Egypt. ٣١٨ ; Gardiner, Op. Cit., ١٢٩.
٤ See, Breasted, Op. Cit., ٦٣١.
٥ ألكسندر شارف، تاريخ مصر من فجر التاريخ – معرب بالقاهرة – ص١٠٠.
٦ Newberry, El-Bersheh, I, Pl. Xv ; J. Vandier, Chroronique D'egypte, ١٩٤٤, ١٨٥ F.

<<  <   >  >>