للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتوفي كامس في ظروف غير معروفة قبل أن يدخل معركته الفاصلة ضد الهكسوس وربما أعقبت وفاته فترة من القلق، ثم خلفه أخوه أحمس "نب بحتي رع" وأتم عمله وعمل أبيه، وانتفع باشتداد عزائم مواطنيه بعد انتصاراتهم تحت رايتيهما، فاستنفرهم ولبوا نداءه لاستكمال الجهاد والانتقام، وخرجوا معه المهاجمة الهكسوس في عقر عاصمتهم "حة وعرة".

ولا تزال تفاصيل المرحلة النهائية لطرد الهكسوس في عهد أحمس شحيحة لقلة المصادر المعروفة عنها، ولكن صور جانبًا منها قائد من جيشه يدعى أحمس بن إبانا بدأ شبابه جنديًّا صغيرًا، ولكنه استطاع أن يظهر كفايته في المعارك التي خاضها، وروى في نصوصه أنه كان كلما نشط في عمليات الأسر والقتل خلال المعارك، أبلغ العرفاء أمره إلى الفرعون في مركز القيادة فكافأه بما يناسب مجهوده وشجعه على المزيد. وهكذا استمر في نشاطه وترقياته حتى بلغ مرتبة القائد البحري. وذكر أنه اشترك مع الفرعون أحمس في محاصرة عاصمة الهكسوس وأن المعارك دارت حولها وإلى الجنوب منها، في البر وعلى الماء عدة مرات١. والواقع أنه ليس من بينة مرجحة تصور كيفية جلاء الهكسوس عن حة وعرة، فبينما يفهم من نصوص إين إبانا المعاصر لهذه الأحداث أن المصريين دخلوها عنوة ودمروها وأسروا معظم حاميتها وأجبروا غالبية أهلها على الخروج منها، ذكر يوسيفوس اليهودي بعد قرون طويلة من الجلاء أن الهكسوس أعلنوا التسليم لأحمس بشرط أن يدعهم يغادرون مصر آمنين، فرضي، وخرجوا منها بأمتعتهم، وكانوا لا يقلون في زعمه عن ٢٤٠ ألف شخص "هم وأولادهم ونساؤهم".

وعندما جلا الهكسوس عن مصر جمعوا فلولهم في مدينة من معاقلهم القديمة في جنوب فلسطين تدعى شاروحين، قامت على أطلالها تل فرعة الحالية، وتحصنوا بها، فأدرك أحمس أنه لن يأمن على حدوده ما داموا قريبين منها، فلحقهم بجيوشه وفرض الحصار حولهم، واستمر يضيق عليهم نحو ثلاث سنوات حتى اضطروا إلى الجلاء عنها٢. وهذا لفظت مصر الهكسوس أغرابًا كما دخلوها، على الرغم من طول إقامتهم فيها. وعهد ما سوى مصر من الشعوب أن تنزلها الهجرات فتطغى على قوميتها أو تمتزج بأهلها ويمتزجوا بها وتفرض عليهم حضارتها إن كانت ذوات حضارة، أو تفرض عليهم لغتها إن أعوزتها الحضارة، وما حدث شيء من ذلك في مصر، وإنما باعدت مصر ما بينها وبين الهكسوس في لغتها وعاداتها ودينها بقدر ما استطاعت حين غلبت على أمرها، وعندما أخذت عنهم استخدام الخيول وعربات الحرب والدروع والأقواس المركبة. استعانت بما أخذته عنهم وأجلتهم به، وكان ذلك بين ١٥٨٠ و١٥٧٥ق. م.

والطريف أن فترة الجهاد ضد الهكسوس لم يقتصر على الرجال وحدهم، وإنما ساهمت بعض النساء فيها بما يناسب استعدادهن. ولما كان التاريخ حفيًّا دائمًا بأسماء أصحاب السلطان أكثر ممن سواهم، فقد احتفظ من أسماء صاحبات الشهرة في ذلك العصر باسمي: تتي شري أم سقننرع، وإياح حوتب زوجته وأم ولديه. وقد نعتت أولاهما في نصوص حفيدها أحمس بلقب العالمة أو العارفة. وقيل عن الثانية إنها "ربة الأرض، وسيدة الحاونبو، رفيعة السمعة في كل قطر أجنبي. التي دبرت سياسة القوم .. ،


١ Sethe. Urkunden, Iv, ٣ F.; Gunn And Gardiner, Op, Cit., ٤٨ F.
٢ Urk., Iv, ٤; Zaes, Xxiv, ١٣٦.

<<  <   >  >>