للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجبر واليها الجديد على أن يوقف صداقته للهكسوس. ثم اندار على الشمال وعمل بأعوانه على قطع الإمدادات التي كانت تصل إلى الهكسوس عن طريق فروع النيل. وهنا انقسم الهكسوس على أنفسهم. وخرج بعضهم على طاعة ملكهم. وأحرز كامس نصرًا في بعض المواقع النهرية، ووصف دخوله إحدى المدن في أسلوب لطيف قال فيه "أو قال على لسانه أحد أدباء عصره": "لمحت نساء العدو فوق دياره، يتطلعن من النوافذ إلى الشاطئ، وحين سمعن صوتي لم يستطعن حراكًا، ومددن أنوفهن من خلال "شقوق" الجدران كأفراخ القطا في جحورها حين كنت أنادي: هذا أوان الهجوم، هأنذا ولسوف أنتصر". وسجل رجاله في نصوصه بعض العبارات التي كان يرددها في مجالسه أو يرسل بها إلى عدوه يتوعده بها، وكان من قوله فيها: "سوف تعجز مع جيشك أيها العامو ... وينكشف ظهرك أيها الخاسئ، فها هو جيشي وراءك، وسوف يصيب العقم نساء عاصمتك، ولن تنبض قلوبهم في أبدانهن حين يسمعن صرخة الحرب من جيشي. إن يدي هي العليا، والنجاح حليفي ... ، أي وحق ربي آمون القادر، لن أدع لك بقاء ولن أدعك تخطو على أرضي دون أن أركب فوقك، وحينئذ تخمد أنفاسك". وكان من قوله كذلك: "لقد خابت آمالك أيها الخاسئ الذي اعتاد على أن يقول أنا السيد ولا مثيل لي. أما "عاصمتك" فسوف أمحوها ولن أجعل أحدًا يعثر لها على أثر، وسوف أدمر قرى "شعبك"، وأحرق ديارهم حتى تصبح تلالًا حمرًا إلى الأبد؛ جزاء وفاقًا على ما ألحقوه بمصر من دمار، وسوف يسمع الناس "عويل" الهكسوس حين يفارقون مصر سيدتهم "مرغمين"١.

وهكذا سار كفاح كامس على نهج مرسوم، فبدأ بتعبئة الحماس والمشاعر من أجل الكرامة وضد المحتلين، وعمل على تطهير الجبهة الداخلية وتأمين ظهره وزيادة أتباعه، ثم أحكم الحصار الاقتصادي على أعدائه وحاول أن يبث الفرقة بينهم، وهاجم بجيشه بعض مراكز تجمعهم، واستخدم الحرب النفسية ضدهم. وليس من المستبعد أن تهديداته كانت تبلغ أسماع الهكسوس وتفعل فعلها فيهم. فلما طال المطال عليهم، حاول ملكهم أن يوقع كامس بين ما يشبه فكي الكماشة، فأرسل إلى حاكم كاش في الجنوب يدعوه ولده ويحرضه على كامس ويخوفه عاقبة أمره ويشجعه على مهاجمته من الجنوب حتى ينحصر بينهما وحينئذ يغلبانه ويقتسمان مصر معًا، كما قال. وأرسل الهكسوسي رسله على طريق الواحات ليكونوا بمأمن من عيون كامس. ولكن هؤلاء علموا بأمرهم وأرسل كامس سرية من جيشه ترصدت الرسل واستولت على الرسالة ثم أطلقتهم لينقلوا إلى ملكهم خيبة أمله وفشل مسعاهم. وخشي كامس أن يعيد الحليفان الكرة، فوضع بعض وحداته في مصر الوسطى والواحات، ورحل هو إلى عاصمته طيبة، وكان يوم عودته إليها يومًا مشهودًا، وصفه كاتبه قائلًا: "طابت رحلة الحاكم إلى الجنوب، وجنوده أمامه لم ينقصوا، ولم يخسر أحدهم رفيقه، ولم تشتك قلوب "المدنيين" منهم ... ، وأصبح إقليم طيبة كأنه في عيد الفيضان، وهرع النسوة والرجال يتطلعون إلى الأمير، وأسرعت كل زوجة إلى زوجها تعانقه، وقد خلت الوجوه من آثار الدموع".


١ الغريب أن الأستاذ جاردنر يرى أن كامس وجه تهديده بتدمير القرى للمصريين المعادين له وليس للهكسوس، وهو تخريج مشكوك فيه. See, Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, ١٩٧ F.; Wilson. Anet, ٥٥٤-٥٥.

<<  <   >  >>