للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن آوي إلى الظل بجوار تمثال أبو الهول، وأخذته سنة من النوم رأى الإله فيها يتحدث إليه بلسان مبين ويقول له فيما روى: "ولدي تحوتمس، تأملني فأنا أبوك، إني واهبك ملكي على الأرض لتصبح سيدًا على الأحياء ... ، وستكون لك الأرض بطولها والعرض، وكل ما تضيئه عين رب الكل ... ، وهأنذا موليك وجهي فكن حفيظًا على شئوني ... " إلخ١. وكان في ذلك إيحاء إلى الناس بتفضيل الإله إيله ليتولى عرشه.

وأحاطت بتولية ولده أمنحوتب الثالث ظروف لا ندري حقيقة تفاصيلها، جعلته يدعي الميلاد الإلهي هو الآخر. ومن هذه الظروف احتمال بنوته لأم ميتانية الأصل تزوجها أبوه تحوتمس الرابع ليؤكد صلاته بدولة الميتان. وعندما خشي أمنحوتب أن تعيبه أجنبية أمه ادعى هو وأنصاره أن آمون أنجبه منها بنفسه أو من روحه بعد أن اصطفاها وارتضاها لذاته. وصوروا هذا الادعاء في لوحات فنية كبيرة بمعبد الأقصر، وبمراحل تشبه مراحل ميلاد حاتشبسوت.

ولسنا ندري مدى تصديق المصريين لهذه الادعاءات من هذا الفرعون أو ذاك، ولكن حسبها ما تدل عليه من اعتقاد الفراعنة بأن الأمر الواقع في ارتقاء العرش والهيمنة على السلطة لا يكفي، وأنه لا بد من تأييده بسند من الدين يُرضي الكهان والخاصة والعوام.

وفت الأسرة الثامنة عشرة لمدينة طيبة واحتفظت بها عاصمة أولى للدولة، باعتبارها مسقط رأس ملوكها، والأتون الذي انبعثت منه شرارة التحرير، وباعتبارها مقر آمون رع الذي استعان أجداد الأسرة به لصبغ جهادهم ضد الهكسوس بصبغة مقدسة، وظل خلفاؤهم يحاربون تحت رايته ويردون انتصاراتهم إلى تأييده ونصره. وكان في كل هذا ما عوض طيبة في أقصى الصعيد عن ميزة الموقع المتوسط بعد أن اتسعت حدود الدولة اتساعًا كبيرًا ناحية الشمال. وقد تجلى الاهتمام بها وبإلهها في كثرة ما أقيم فيها على مر الزمن من عمائر ومعابد دنيوية وأخروية، في شرقها وفي غربها، وهذه سوف نعرض نماذج مختارة منها في حديثنا عن العمارة والفن في العصر نفسه، ولكن يعنينا هنا أن الإسراف في الاهتمام بآمون ومعابده، والإسراف في رصد الأوقاف الضخمة عليها وعلى عبادته، وقد كانت تبلغ أحيانًا خراج مدن كاملة، والإفساح لكبار كهنته في بلوغ كبرى مناصب الدولة، كل هذا أصبح فيما بعد من عوامل حض آخناتون على ضرورة التغيير في سياق دعوته الدينية إلى توحيد العبادة لإله واحد، حتى يتخلص ضمنًا من كثرة المعابد التي أصبحت تمتص خيرات الدولة بغير طائل، ويتخلص كذلك من تدخل كبار الكهنة الذين أصبحوا قبيل عهده يبدون كأنهم أصحاب دولة داخل الدولة. أما عن تفاصيل دعوة التوحيد نفسها فهذه سيتناولها فصل العقائد الدينية.


١ A. Erman. Die Sphinxstele, ١٩٠٤.

<<  <   >  >>