للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ملكة على التو، وإنما قدمت ابن زوجها الذي ولي العرش باسم تحوتمس "الثالث" وزوجته بنتها حاتشبسوت وجعلت نفسها شبه وصية عليه نحو ثمانٍ أو تسع سنوات استغلتها في تجميع الأنصار حولها. وعندما اطمأنت إلى قوة مركزها وكثرة مريديها نحت الغلام جانبًا وأرغمته على الاعتكاف، وبررت فعلتها فأوحت على أتباعها بقصة نشروها بين الناس ثم سجلوها تصويرًا في لوحات فنية كبيرة على جدران معبدها في الدير البحري بطيبة الغربية١، وأكدوا فيها أن الإله آمون رع أنجبها بنفسه أو من روحه، وأن أباها البشري تحوتمس الأول ارتضى هذه البنوة وأعلنها شريكة له في الحكم خلال حياته وأوصى لها بالملك بعد وفاته. وبدأت القصة بتصوير مشاعر آمون إزاء أمها أحمس، فأظهرته يدبر أمره لإيجاد وريث شرعي من سلالته يحكم مصر ويعوضها عما سلف من أمرها، ثم صورته ينصرف بتفكيره ورغبته إلى الملكة أحمس بعد أن تشاور في شأنها مع صفيه ورسوله الإله تحوتي وسمع منه الثناء المستفيض عليها، وحينئذ أعلن لبقية الأرباب أنه سيهبها مولودًا من صلبه يعتلي العرش، وأنه قضى بجعل مولوده المرتقب أنثى. وتحققت المعجزة وحملت الملكة، وأوحى آمون فيما ادعت القصة إلى المعبود خنوم المتكلف بخلف البشر بأن يصور بدن الجنين من صلصال ففعل، واختار آمون اسم المولودة من سياق حديث شائق دار بينه وبين أمها، فسماها "حاتشبسوت خنمة آمون" بمعنى ذروة النبيلات صفية آمون وقدم مولودته إلى الأرباب باعتبارها وريثته على الأرض. ثم تلقى أبوها البشري تحوتمس إرادة آمون عن رضا وأعلنها على الناس. ولما أصبحت الابنة شابة جميلة نضرة تضارع الربة "إحو" في زمانها، طاف بها على المعابد الكبرى وأعلنها خليفته على العرش٢.

وجرى تحوتمس الثالث على سبيل مشابه ليفسد على خصيمته دعواها، فروت نصوصه قصة يبدو أن أباه كان قد دبرها مع الكهنة؛ ليقيه ضرر طموح حاتشبسوت. وذكرت أنه حدث خلال عيد ديني كبير في الكرنك أن انتحى تحوتمس الصغير جانبًا من البهو الشمالي للمعبد ليشهد منه موكب ربه آمون، وكان حين ذلك قد انتظم في التربية الدينية بالمعبد ولكنه لم يكن قد بلغ بعد منصب "خادم الرب". وعندما مر الموكب والفرعون في مقدمته تعمد "تمثال" الإله أن يتجه بموكبه على البهو الشمالي ويطوف به، وقد تبعه الكهنة ورجال الدولة دون أن يعلموا حقيقة هدفه، حتى بلغ موضع تحوتمس الصغير وتوقف عنده، فخر الأمير ساجدًا، واعتبرها الكهنة حينذاك آية، وفسروها برغبة الإله في اختيار الطفل لعرش آبائه. وبوحي الإله أنهضوا الأمير وقدموه في الموضع المخصص للحاكم، وبعدها انكشفت له آفاق ربه وطار إلى سمائه وتلقى منه ألقابه، أو هكذا روت القصة٣.

وكان لحفيده تحوتمس الرابع عدة إخوة من أمهات مختلفات، وفي سبيل تأييد حقه في العرش أشاع قصة عرفت اصطلاحًا باسم قصة الرؤيا، ومؤداها أنه حدث في إحدى رحلات صيده للغزلان بصحراء الجيزة


١ E. Naville, The Temple Of Deir Et-Bahari, Ii, Pl. ٤٧ F.
٢ راجع رأينا فيما يمكن استنتاجه من وقائع وعادات من هذه القصة في كتابنا عن: الأسرة في المجتمع المصر القديم – القاهرة ١٩٦١، ص٣٥ - ٣٩.
٣ Urk, Iv, ١٥٧ F.

<<  <   >  >>