للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إصلاحات حور محب "جسر خبرو رع":

لم يكن من المتوقع أن تسير أمور الإدارة سيرًا مثاليًّا أو هادئًا دائمًا، لا سيما في فترات القلق ومنها تلك التي أعقبت عهد آخناتون في أواخر هذا العصر، والتي لم تتخلص مصر منها إلا بعد أن شهدت نشاطها داخليًّا جديدًا ببداية حكم حور محب "١٣٣٥ - ١٣٠٨؟ " وكان رجلًا من خاصة الشعب اعتلى العرش بعد أن عز وجود وريث شرعي قوي الشكيمة من صلب الأسرة الثامنة عشرة المالكة. وساعده على بلوغ هدفه خبرته بأمور الحرب وأحوال الإدارة منذ عهد آخناتون، وتمتعه بحزم تطلعت البلاد غليه بعد فترة طال فيها النزع بين القصر الفرعوني وبين كهنوت آمون منذ عهد آخناتون أيضًا، وعجز فيها كل من الفريقين المتنازعين عن أن يحقق لنفسه سيطرة كاملة على الفريق الآخر ويعيد إلى البلاد استقرارها القديم، الأمر الذي أدى إلى سوء الإدارة وإلى تعطل النشاط العسكري في الخارج واجتراء بعض العسكريين العاطلين على حقوق الدولة وأموال المواطنين. وفي بداية حكمه أصدر حور محب مجموعة من المراسيم عرفت اصطلاحًا باسم "قوانين حورمحب". أكد في مقدمتها أسفه على ضياع السلطة في الأرض، وأنه ابتغى بقوانينه أن يمحو بها أعمال النهب والعنف، وأنه أملاها بنفسه على أهل بلاطه، وأنه اختار قضاته الإداريين الجدد لتطبيقها ممن يحسنون القول ويمتازون بالخلق الطيب ويدركون خفايا الأمور .. ويتبين من قوانينه هذه أن الضريبة التي اعتادت الدولة أن تفرضها على جلود الماشية وتجبيها من الزراع والرعاة كل عامين، أصبحت نهبًا مشاعًا لعدد كبير من الموظفين والعسكريين كانوا يغالطون دافعي الضرائب ويجبونها سنويًّا لصالحهم. وأن بعض الجنود كانوا يعتدون على سفن الغلال المتجهة على أمراء الدولة وينهبونها. وأن أصحاب المراكب غالبًا ما كانوا يحرمون من أجورهم على ما يؤدونه من خدمات الدولة، وكانوا يعوضون ذلك بالاشتطاط في طلب أجور باهظة عن النقل المدني. واستهدف حور محب في قوانينه أن يحمي دافعي الضرائب وعمال المزارع، ففرض على المعتدين والمرتشين عقوبات رادعة تمثلت في الجلد بالسياط وجدع الأنف والنفي إلى ثارو على الحدود الشمالية الشرقية. وعمل على تنفيذ مراسيمه من تاريخ صدورها دون أثر رجعي، والمسارعة بمعاقبة المخالفين ليكونوا عبرة لمن سواهم. والحرص على استرداد المسروقات، وإعفاء صاحب الماشية من الضرائب المستحقة عليه إذا سرقت ماشيته أو نفقت بشرط أن يثبت ضياعها أو هلاكها. وكان حازمًا مع رجال جيشه على الرغم من أنه كان منهم، فساوى بينهم وبين غيرهم في الردع والعقاب١.

لم يحل سلطان فراعنة الأسرة الثامنة عشرة دون ذيوع شهرة كبار رجال دولتهم. ولم يتردد هؤلاء الكبار في أن يصفوا أنفسهم علنًا بما كانوا يعتقدون أنهم أهل له من الكفاية والشهرة. ومن هؤلاء القائدان أحمس بن إيانا، وأحمس بانخبة، اللذان سوف نستشهد بنصوصهما في سياق حديثنا عن السياسة الخارجية، وسنموت


١ Urk. Iv, ٢١٤٠ F.; W. Helck, Zaes, Lxxx, ١٠٩ F.; K. Pfluger, Jnes, V, ٢٦٠ F.; Van De Walle, Chronique D’egypte, ١٩٤٧, ٢٣٠ F., See Also Azes, ١٩٥٥, ١٠٩-١٣٦.
وربما امتد نفي المذنبين إلى الواحات والنوبة أيضًا.

<<  <   >  >>