للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد فترة إلى سوريا ولكن تقدمها فيها أقلق دولة الحيثيين "الخاتيين"، وهنا أراد كل من الفريقين أن يجرب باسه مع الآخر وجهًا لوجه، فتلاقى جيش الحيثيين مع الجيش المصري في شمال قادش، وكان أول لقاء مباشر بين الخصمين الكبيرين أدرك كل منهما بعده أنه لن يتيسر له القضاء على قوة خصمه بسهولة فتميع الموقف بينهما إلى حين وربما انتهيا إلى عقد هدنة، وإن كانت نصوص كل فريق منهما قد ادعت النصر لأهلها على الفريق الآخر.

وأرخ رجال سيتي لحروبه كتابة وتصويرًا، وسجلوا مراحلها على بعض جدران الكرنك، وصوروا قتال العربات وتدمير المدن وسوق الأسرى في لوحات كبيرة. وسجلوا خريطتهم الحربية المصورة التي أشرنا إليها، وأظهروا ملكهم يقاتل راكبًا وراجلًا، وليس راكبًا فقط كما جرت العادة في صور ملوك الدولة الحديثة، وصوروه في المعركة يضغط بثقله على عدوين تحت إبطيه، ومن حوله أولاده يشاركونه الحرب. وكان كل ذلك جديدًا في تاريخ التسجيل الفني للحروب١.

وظلت شئون الإدارة الخارجية على حالها الذي استقرت عليه خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة. فتولى أمرها في الشام أمراء محليون وشاركهم في مسئولية توطيد الأمن حاميات مصرية شامية، وقام بمهمة التنسيق بين القطرين رسل ملكيون. وتولى الإدارة في النوبة أمراء محليون أيضًا تحت إشراف أمير كاش المصري ونوابه٢.

خلف سيتي ولده رمسيس الثاني "وسرماعت رع ستبن رع" في عام ١٢٩٠ق. م٣. وكان أحد شخصيات حاكمة فرضت شهرتها على التاريخ ورواته. وتهيأت له منزلته في حوادث عصره نتيجة لعوامل عدة، كان منها: أنه ورث عن أبيه عرش دولة قوية ذات ثراء عريض، وأنه شاركه في الحكم بضع سنين فاكتسب خبرة لا بأس بها في شئون الحرب والسياسة، وأنه ولي الحكم شابًّا تملؤه الحمية وتحدوه آمال واسعة، وأنه وجد في رجاله، مدنيين وعسكريين، خبرة أصيلة، وأنه صادم أضخم قوة عسكرية في عصره وهي قوة الخاتيين "الحيثيين" واستطاع هو وجيوشه أن يصونوا سمعة مصر العسكرية إزاءها، وأنه كان شغوفًا بتخليد ذكراه والدعاية لنفسه بكل سبيل، وأن عهده طال سبعة وستين عامًا أنجز له رجاله خلالها عددًا من المعابد والقصور والمسلات والتماثيل بلغ حدًّا من الكثرة والضخامة قل أن بلغته آثار حاكم آخر في العالم القديم.

وظهرت لمصر عاصمة سياسية جديدة في عهد رمسيس، ارتبطت شهرتها باسمه، فسميت "بر رعمسسو" أي دار رمسيس، وأصبحت واحدة من أمهات العواصم في الشرق القديم، ويفهم من جدل طويل حول تعيين مكانها، أنها كانت تمتد وتضم بضياعها ما بين قنتير وبين صان الحجر الحاليتين في شرق الدلتا، على


١ Wreziniski, Atlas, Ii, Pl. ٣٤ F.; Jea, Vi, ٩٩ F.; Xxxiii, ٣٤ F.
٢ Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, ٢٥٥.
٣ Parker, Jnes, Xvi, ٤٣.

<<  <   >  >>