للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخبار المعركة ما يحفظ عليهم ماء وجههم، فأنكروا في نصوصهم أنهم طلبوا العفو من رمسيس، وادعوا أنه يئس منهم فنزح عنهم، وأنهم تعقبوا مؤخرة جيشه١. وحار المؤرخون بين الروايتين، ومال كل فريق منهم إلى جانب، غير أنه من المرجح أن رمسيس وإن لم يطرد الحيثيين تمامًا من شمال الشام، فإنه قد أفسد خطتهم، ومنع الهزيمة عن جيشه، وأوقف تقدمهم بعد قادش، وأرهب أعوانهم، ثم عاد إلى مصر ليستجمع قوى دولته ويتحين الفرص لمعاودة هجومه. وواتته الفرصة في العام الثامن من حكمه، حين عاود الحيثيون الفتنة وإثارة الاضطرابات في بعض مدن الشام، فخرج بجيشه وأعاد الاستقرار إليها بعد مجهود عنيف٢. وواصلت جيوشه نشاطها التفتيشي في أرجاء جدولته الواسعة بعد عامه الثامن، وقادها رمسيس في بعض هذه المرات وذكر في نصوصه أنه قاتل إحدى المدن التي سيطر الحيثيون عليها ساعتين كاملتين قبل أن يرتدي درعه٣. واستمرت حالات التوتر الخارجي حتى العام الحادي والعشرين من حكمه وفيه ظهر تحول واسع جديد في تاريخ العلاقات المصرية الحيثية وفي تاريخ الشرق القديم وتقاليده.

وكانت قد أحاطت بدولة الحيثيين قبل ذلك العام هزات داخلية وخارجية عنيفة، ففي الداخل توفي موتاللي عدو رمسيس اللدود، وتنازع ولي عهده مع عمه على ولاية العرش، والتمس ولي العهد معاونة رمسيس، ويحتمل أنه وعده بها، ولكنه لم يتخذ خطوات فعالة بشأنها، واستطاع العم "خاتوسيلي" أن يتغلب على ابن أخيه، ولكنه أدرك أن مصر ستظل ملاذًا لخصومه على عرشه، فاعتزم أن يسلك معها سياسة جديدة. وحضته على انتهاك هذه السياسة الجديدة هزات خارجية قوية صدرت عن دولة آشور التي بدأت حينذاك عصرها الوسيط وبدأت تتطلع إلى نصيب من السيادة في عالم الشرق وسياسته، ثم هزات أخرى تمثلت في استمرار تدفق هجرات شعوب البحر الآرية على حوض البحر المتوسط وشواطئه. وكل من الأمرين تخوفته مصر أيضًا وخشيت منهما زيادة اختلال توازن القوى في الشرق، وأصبحت على استعداد لاتخاذ خطوة إيجابية لإعادة هذا التوازن من جديد.

وبدأت خطوات التجديد من قبل الحيثيين، على حد قول المصادر المصرية، فأوفد ملكهم خاتوسيلي رسولين إلى قصر رمسيس في عاصمته، وعرض الرسولان على الفرعون مشروع معاهدة تحالف بين مصر وخاتي، وكان المشروع مسجلًا بالخط المسماري على لوحة من الفضة باسم خاتوسيلي، فقبله رمسيس من حيث المبدأ وكتب رجاله نصًّا آخر باللغة المصرية على لوح من الفضة أيضًا، قد يكون متفقًا مع المشروع الخاتي أو معدلًا عنه تعديلًا يسيرًا، وبعد اتصالات أخرى وقع الملكان على المعاهدة حوالي عام ١٢٧٠ق. م، وربما وقعت الملكتان عليها أيضًا، وبدأ حين ذاك عهد جديد٤.


١ E. Edel, Zeitschrift Fur Assyriologie “Nf”, ١٩٤٩, ١٩٥ F., ٢١٢; A. Goetze, In Anet, ٣١٩.
٢ Wresziniski, Atlas, Ii, ٩٠; Sethe, Zaes, Xliv, ٣٦ F.
٣ Ibid.; Ancient Records Iii, ٣٥٢.
٤ Langdon And Gardiner, Jea, Vi, ١٧٩, F.; Gurney, The Hittites, ١٩٥٢, ١١٧ F.; Wilson, In Anet, ١٩٥٥, ١٩٩ F.; A Goetze, Ibid., ٢١٠-٢٠٣.

<<  <   >  >>