وتضمنت المعاهدة دلالات ومبادئ دولية بارزة، كان منها أن أشارت في مقدمتها إلى علاقات ود قديمة ربطت بين مصر والحيثيين، ويحتمل أنها عنت بها فترتي الهدنة التي أسلفنا احتمال حدوث إحداهما في عهد حور محب وحدوث الأخرى في عهد سيتي الأول، أو عنت بها فترات تبادل الهدايا والرسائل بين الفريقين في عهد تحوتمس الثالث وعهد أمنحوتب الثالث وبداية عهد ولده آخناتون. وأشهدت المعاهدة في خاتمتها ألفًا من الأرباب والربات المصريين وألفًا من الأرباب والربات الحيثيين، وذلك مما ينم عن استعداد كل من الدولتين لاحترام آلهة الدولة الأخرى، واستعدادهما لعهد تسامح ديني جديد، وهو تسامح رضي المصريون بمثله فيما بينهم وبين النوبيين وفيما بينهم وبين أهل الشام منذ عهود قديمة، ولكنهم لم يرتضوه فيما يبدو مع دولة خارجية أخرى قبل هذه المرة، إلا مع دولة الميتان لفترة قليلة حينما ربطت بينهما روابط الود والمصاهرة.
وتعهدت كل دولة من الدولتين بعدم الاعتداء على حدود الأخرى، وهي حدود لا ندري خطوطها الحقيقية في شمال الشام. واحترمت كل منهما كيان الأخرى على قدم المساواة معها، دون أن تدعي إحداهما سيطرة على أختها أو تدعي أفضلية عليها، وكان في ذلك ما فيه من محاولة التخلي عن التعصب الجنسي القديم، وهي محاولة لم تسبقها فيما نعلم غير محاولة غير مقصودة في عهد أمنحوتب الثالث حين تقبل لفظ الأخوة من أمراء الشرق وملوكه وخاطبهم بها، ومحاولة أخرى في عهد آخناتون حين اعترف للشعوب كلها بحق الحياة في ظل معبوده الواحد.
وتعهد كل من الطرفين المتعاهدين بنجدة الطرف الآخر بعسكره إذا وقع اعتداء مسلح على دولته، ولم تتعد المعاهدة هذا التحالف الدفاعي الثنائي إلى تحالف هجومي على دولة ثالثة. كما تعهد كل من الطرفين بألا يأوي الخوارج الفارين من بلد الطرف الآخر وأن يعيدهم إليه أيًّا ما كانت مراتبهم الاجتماعية وسواء أكانوا من العظماء أو من العوام، بشرط عدم التنكيل بهم "بالقتل؟ " أو التعرض لأولادهم. ويعتبر هذا الشرط أقدم تصوير معروف لأوضاع اللاجئين السياسيين في العالم القديم.
واستطاعت المعاهدة أن تحقق أغراضها، فساد السلام بين الدولتين، وتبودلت الرسائل بين الملكين، ودلت الألواح الحيثية على أن رمسيس أرسل ما لا يقل عن ثماني عشرة رسالة إلى خاتوسيلي وإلى زوجته تودوخيبا التي يحتمل أنها لعبت دورًا فعالًا في سياسة زوجها١. وأضاف النص الحيثي للمعاهدة في نهايته وصول التهاني بعقدها من زوجة رمسيس ومن أمه. وعاد توازن القوى في الشرق القديم إلى حال مستقرة، وتوقفت من جرائه أطماع آشور إلى حين. وأراد ملك الحيثيين أن يدعم تحالفه مع فرعون مصر في العام الرابع والثلاثين من حكمه، فزوجه ابنته وقدم بها عليه بنفسه، وروت المصادر المصرية قصة هذا الزواج من وجهة نظرها بأسلوب طريف فقالت: " ... وظل عظيم خاتي يكتب إلى جلالته عامًا بعد عام يسترضيه دون جدوى، ولكنه حين وجد أرضه في حالة عوز شديد بقدرة جلالته، قال لعسكره وأهل بلاطه: ما معنى أن تبور أرضنا ويغضب علينا ربنا سوتيخ وتحرمنا السماء من فيضها، كأنما قدر علينا أن نفقد
١ E. Edei, Zeit. F. Indogermanische Forschungen, Ii, ٢٦٢ F.