للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيه، ومنها أن النص السالف اعتبرهم من نزلاء جنوب الشام ولم يذكر تتبعه لهم من مصر، وذلك مما يعني أنهم دخلوا فلسطين قبل عهده وخرجوا من مصر بالتالي قبل عهده. ويلاحظ مع ذلك أن قصة غرق فرعون موسى لا تحل المشكلة، فالقرآن الكريم يذكر انه أنجي ببدنه بعد غرقه ليكون لمن خلفه آية، أي أننا لن نستغرب عدم غياب جثته من بين جثث الفراعنة الباقية. ولم يكتف المؤرخون بوضع احتمالات عهد مرنبتاح في هذا الشأن إلى جانب احتمالات عهد أبيه "ص٢٣٣"، وإلى جانب ما روجه المؤرخ القديم يوسيفوس اليهودي عن الربط بين عصر الهكسوس وبين العبرانيين وخروجهم معهم في عهد أحمس "راجع ص١٩٥" وإنما أضافوا إلى ذلك فرضًا آخر باحتمال خروجهم في عهد تحوتمس الثالث أو ولده أمنحوتب الثاني، وذلك على أساس ذكر اسم الأسرى العابيرو في نصوصهما لأول مرة، مع تقريبه إلى اسم العبرانيين، وهذا ما لم يتأكد أيضًا، ولا زالت القضية بغير حل مرضٍ حتى الآن١.

أما عن الآثار المترتبة على معارك جيش مرنبتاح على حدود مصر الغربية، فتتلخص في اندفاع عدد من قبائل شمال إفريقيا والصحراء الغربية نحو الحدود المصرية في بداية عهده، سواء نتيجة لزوال شخصية أبيه صاحب الشهرة الحربية الواسعة، أم تحت ضغط هجرات آرية جديدة نزلت سواحل إفريقيا الشمالية "راجع ٢٣٩"، أم نتيجة لقحط محلي شديد. وقد تزعم المهاجرين شيخ قبائل برو "= ليبيو"، وضم إليه أعدادًا من خمس جماعات آرية مهاجرة، وهي: الإقوش، والتورشا، والروكي "اللوكي"، والشرادنة، والشكرش "الشكلش" ثم اندفعوا بنسائهم وأولادهم وقطعانهم القليلة وطمعوا في أن يعبروا البراري إلى الدلتا ويستقروا في أرضها الخصبة. ووصفت المصادر المصرية تحركاتهم بأنهم "ظلوا يهيمون خلال الحدود ويقاتلون في سبيل ملء بطونهم يومًا بيوم، ثم وصلوا مصر "الزراعية" يتلمسون فيها طعامًا لأفواههم، وذلك مما يعني أنهم كانوا في مسغبة شديدة. ووصل المهاجرون حتى الفرع الكانوبي، وكانوا في أعداد كثيرة، فأعد لهم مرنبتاح ما استطاع من قوة، وذكر في نصوص أنه استنصر ربه بتاح فأوحى إليه بالتأييد والنصر وقال له "إثبت وانزع الشك من قلبك"، ولم تستمر المعركة أكثر من ست ساعات وانتهت بأن أعلن المهاجرون الطاعة. وكان المصريون يدركون مدى الفوضى التي كان يمكن أن تحيق بأرضهم لو دخلها المهاجرون متنصرين، ولما كانت معركتهم معهم من المعارك المعدودة التي دارت رحاها على مشارف أرضهم منذ طرد الهكسوس، فقد غدا لنبإ النصر عندهم رنة عظيمة، ووصف شاعرهم فرعونه إثر انتصار جيوشه بأنه شمس بددت الغيوم التي رانت على مصر، وأنه جعل تامري "مصر الزراعية" ترى أشعة الكوكب، وأنه كمن أزاح جبلًا من النحاس من فوق أكتاف الناس ووهب نسمة الحياة لشعب كاد يختنق.

وصور الشاعر زعيم المهاجرين يهرب تحت جنح الليل وحيدًا فريدًا وقد سقطت ريشته وأضاع نعليه وعز عليه الزاد والماء وانفض أنصاره عنه وتنكروا له. وصور عظم وقع النكبة على المغلوبين فجعل شابًّا منهم يقول لزميله "لم يحدث لنا شيء من ذلك "إطلاقًا" منذ عهد رع"، وشيخًا يقول لولده "وانكبتاه


١ Cf. G. E. Wright, Biblical Archaeological, Iii, ١٩٤٠, ٢٥ F.

<<  <   >  >>