للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشرية في العالم القديم، هي الصفات التي استنتجها بعض الباحثين من بقايا ما يسمونه إنسان جاوة ثم إنسان بكين أو الصين وإنسان شرق إفريقيا. وهي صفات صورت لكل منهم قامة قصيرة وقدرة على انتصاب الجذع مع ميل الرأس الضخمة قليلًا إلى الأمام، وشدة تراجع الفك الأسفل، وبروز عظام الحاجبين وغلظهما واتصالهما ببعضهما. وذلك مع ملاحظة تطور الجبهة من الضيق والتراجع في جمجمة إنسان جاوة إلى البروز الخفيف في جمجمة إنسان بكين أو الصين. واستمر سلالات هذه الأجناس آمادًا طويلة، ثم ظهرت معها سلالات أخرى في أواخر الدهر القديم الأسفل مثلتها في أوروبا بقايا إنسان هدلبرج الذي اتصف باتساع عظمة الصدغ وقوة عضلات الوجه المتصلة بعملية المضغ، مع غلظ الفك وتراجعه من ناحية الذقن١.

وانتشرت في الدهر الحجري القديم الأوسط سلالات من جنس جرى الاصطلاح على تسميته باسم الإنسان النياندرتالي "نسبة إلى وادي نياندر بألمانيا". وهو جنس ذو جسم ممتلئ لم يكتمل انتصاب قامته تمامًا، ورأس كبيرة قليلة الاستدارة لا زالت تميل قليلًا إلى الأمام، وجمجمة ضخمة عريضة سميكة العظام، وحاجبين شديدي التقوس سميكي العظام، وفك ضخم بارز، وأنف متسعة المنخرين. وإن تميز هذا الجنس في الوقت نفسه بتناسق أطرافه بالنسبة للأجناس التي سبقته. وتضمنت حفريات الشرق الأدني بقايا من سلالات هذه الإنسان، فكان منها ما وجد في كهف شانيدار بالعراق، كما كان منها ما وجد في مغارات بجبل الكرمل وجنوب الناصرة وشمال غرب بحيرة طبرية بالشام، وما وجد من حفريات هوافتيح في شمال إفريقيا٢. وهذه وإن كانت جميعها من السلالات النياندرتالية العامة إلا أنها اتصفت بخصائص إقليمية، مثل وضوح كبر الذقن في رأس إنسان جبل الكرمل.

وكان الجنس الغالب لإنسان الدهر الحجري القديم الأعلى جنسًا مهجنًا وبداية لما يسمى باسم الإنسان العاقل Homo Sapiens جد الإنسان الحالي. وقد ظهرت في بقايا الهياكل البشرية التي عثر عليها في مناطق قنا وقاو الكبير وكوم أمبو في مصر، من الدهر الحجري القديم الأعلى، وجوه شبه جنسية قريبة من الهياكل التي تخلفت من فجر التاريخ المصري القديم٣. وذلك مما يعني وحدة الجنس واتصال العمران بين هذين الزمنين. كما رأى بعض الباحثين في بعض هياكل جبل الكرمل المتطورة حلقة وصل بين الخصائص التشريحية لإنسان الدهور الحجرية القديمة والإنسان الحالي. ولعل الخصائص التشريحية والذهنية المميزة لهذا الجنس من بني الإنسان كانت مسئولة إلى حد كبير عن نجاحه في تطوير أدواته وتنويعها خلال ظروف الجفاف القاسي الدهر الحجري القديم الأعلى، ثم نجاحه في ابتداع حرفة الزراعة وحرفة الرعي وما ترتب عليها في بداية العصر الحجري الحديث.

ولم تكن الحدود الإقليمية لجماعات الإنسان القديم وتنقلاتها، ذات أثر واضح خلال الدهور الحجرية القديمة إلا إذا وقفت دونها البحار الواسعة أو الجبال الشاهقة. وكانت شعاب الأرض مفتوحة للأقوى ولمن


١ See, P. Rivet, L’origine De L’homme, ١٩٥٤.
٢ راجع حاشية ٢، وحاشية ٣ ص٢٢.
٣ Sandford And Arkell, Op. Cit., Iii “١٩٣٤”, ٨٦.

<<  <   >  >>