للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستطيع أن يطرقها، سواء للأفراد والأسر أم للجماعات التي انتشرت تبحث عن الأراضي المعشبة المطيرة التي يتيسر الصيد فيها وتتوفر قطعان الماشية البرية على مراعيها. وكان في هذا ما أدى إلى تشابه أغلب أدوات الدهور الحجرية القديمة مع بعضها البعض إلى حد ما، سواء وجدت في الشرق أم وجدت في الغرب وبعد أزمان طويلة أخذت كل من هذه الجماعات تألف الإقامة تدريجيًّا في البقاع التي ناسبتها طبيعتها الجغرافية وأحست بالأمن النسبي فيها.

وأعقب هذه الدهور دهر رأى فيه بعض الباحثين من الخصائص ما يسمح بتسميته باسم الدهر الحجري الوسيط، بينما أنكر باحثون آخرون أهميته بالنسبة للشرق الأدنى بخاصة.

وعلى أية حال، فإنما نود قبل أن ننتهي من استعراض أحوال الدهور الحجرية القديمة، أن نشير إلى أنه ليس من ضرورة للمغالاة في تصوير ما بلغه إنسانها البدائي من قدرة على التطور بحضاراته الأولى والابتداع فيها. فقدرة الإنسان الأول على التفكير والابتداع لم تتعد كثيرًا دائرة حياته الفردية الخشنة ودائرة مطالبه المحدودة. ولم يكن التطور في آفاق حياته ومطالبها يسير في غالب أمره إلا بجهد وبطء شديد، وذلك إلى الحد الذي رتب معه الأستاذ فلندرز بتري أن ألف عام من حياة البشر في الدهور الحجرية القديمة لا تكاد تعادل في تطورها الفكري ما كان يتم من تطوير خلال عمر شخص واحد في العصور التاريخية القديمة. وهذا بطبيعة الحال لا يكاد يعادل ما يتم خلال أعوام قلائل أو حتى بضعة شهور من حياة الإنسان وإمكانياته في عصوره التاريخية الحديثة. زد على ذلك أن الأدوات التي كان الإنسان القديم يستخدمها في عصر ما لم تكن تجب الأدوات التي اعتاد أسلافه عليها فيما تقدمه من عصور، وإنما كانت تستخدم معها جنبًا إلى جنب وإن زادت عنها في شيوعها وأعدادها وأنواعها.

<<  <   >  >>