للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يكن من سبيل لتغيير هذه الأوضاع إلا عن طريق ثورة أو انقلاب، وللأسف لم تكن إمكانيات الجماهير حينذاك تسمح بثورة عامة، فحدث انقلاب محدود قامت به طائفة من كبار كهنة آمون اختلفت وسائل زعمائهم في تحقيق أغراضهم، وظهر لهم زعيم يدعى أمنحوتب توارثت أسرته رياسة كهنوت آمون منذ عهد رمسيس الرابع وآل المنصب إليه في عهد رمسيس التاسع. ونجح في الإيحاء بأهمية شأنه حتى لفناني عصره فصوروه في منظرين بمعبد الكرنك بحجم مساوٍ لحجم الفرعون وفي مواجهته، على عكس ما قضت به التقاليد من الرمز لعلو شأن الفرعون بتصويره بحجم أعظم دائمًا من قامات أتباعه. وازدادات سلطة أمنحوتب في عهد رمسيس العاشر القصير ثم بلغت غايتها في عهد رمسيس الحادي عشر، فتضخم عدد أنصاره وأتباعه، كما تضخم التذمر في الوقت نفسه ضد طموحه وضد الثروات التي تكدست بين يدي أسرته وهنا تحدثت وثائق العصر بتلميحات غامضة قصيرة عن انقلاب استخدمت القوة ضده في إقليم طيبة وجزء من مصر الوسطى حتى بلدة القيس "حردي" حاضرة الإقليم السابع عشر. وكانت الشخصية الرئيسية التي برزت ضد كبير الكهنة هي شخصية بانحسي نائب الملك في النوبة. وقد جند الأول أرقاء المعابد لمصلحته، واستعان الثاني بجنود نوبيين وليبيين مرتزقة، وتعددت الخسائر بين هذا وذاك على حساب الأهالي وعلى حساب سلطة الفرعون، ثم انتهت باختفاء الطرفين وفشلهما معًا، ولم تخلص الجماهير لهذا أو ذاك لأن أيًّا منهما لم يقم بحركته لمصلحتها١. ويحتمل أن يكون بانحسي قد انزوى في النوبة بعد ذلك. ورأى بعض المؤرخين في حركة طيبة هذه أكثر من وجه واحد، فرآها بيير مونتيه تعبيرًا عن سخط قديم ادخره أتباع آمون ضد اهتمام الرعامسة بعاصمتهم الشمالية وربهاست، ولكنهم لم يعلنوه صراحة إلا بعد أن تأكدوا من ضعف فراعنة عصرهم وضيق الناس بالأوضاع القائمة. بل وأضاف أن سرقات المقابر التي تفشت حينذاك كانت مقصودة أو على الأقل وجدت تشجيعًا، لتزويد أصحاب الحركة بالذهب والسلاح ولتعويض قلة استخراج المعادن واستيرادها.

وولي رياسة الكهنة بعد ذلك حريحور، فجرى على سبيل سلفه في التمهيد لبسط نفوذه، ولم يكن من أسرة كبيرة مثله٢، ولكن كان له ماضيه في الجيش والوظائف المدنية إلى جانب معارفه الدينية، ثم جمع إلى كل ذلك منصب نائب الملك في النوبة حتى يتقي أن يشغله من يقضي على آماله، واتخذ لقب وزير طيبة لبعض الوقت على أقل تقدير، حيث ظهر اسم آخر يدعى "نب ماعت رع نخت" في العام الثالث والعشرين من حكم رمسيس الحادي عشر. ثم تمادى حريحور. في نفوذه باسم الدين أكثر فأكثر، ونم عن ذلك أنه بدأ بذكر اسم ملكه وحده في عدد من النقوش والمناظر التي أشرف على تنفيذها في معبد الإله خنسو في رحاب الكرنك، ثم أمر بتسجيل اسمه إلى جانب اسم الملك في عدد آخر. وانتهى بالاكتفاء باسمه وحده وانتحال كنيات وشارات تشبه ألقاب الملكية وشاراتها. وكان هذا المعبد قد بدأ إنشاؤه في


١ Peet, Jea, Xii, ٢٥٤ F.; Sethe, Zaes, ٥٩, ٠٦ F.; Lefebvre, Inscriptions Concernant Les Grads Pretres D’amon, ١٩٢٩; Kees, Herihor Und Die Aufrichtung Des Gottesstaates, ١٩٣٦, ٤ F.
٢ يفترض الأستاذ كيس أن حريحور كان مناصرًا لبانحسي، بينما يفترض الأستاذ جاردنر أنه كان صهرًا لخصمه أمنحوتب - راجع الحاشية رقم ٢ بالصفحة التالية.

<<  <   >  >>