للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عهد رمسيس الثالث واستمر في عهد رمسيس الرابع ببناء قدس الأقداس والقاعات المحيطة به، ثم اتسع جنوبًا وشيدت له صالة أعمدة في عهد رمسيس الحادي عشر. ورضي الفرعون المغلوب على أمره بالأمر الواقع، واعتبر الكهنة ذلك نصرًا لهم وبشيرًا بعصر جديد تبجحوا وسموه عصر النهضة وأرخوا به وثائقهم، واعتبر حريحور نفسه كما لو كان ملك طيبة، وإن ظل رمسيس الحادي عشر على العرش حتى العام ٢٧ أو ٢٩ من حكمه. والطريف أنه ورد في نص آشوري أن هذا الملك أرسل إلى آشور بل كالا ملك آشور هدية تمساحًا "تمسوخو" وقردًا كبيرًا١. وباشر الكاهن الأكبر حريحور سلطانه الأعلى في طيبة وأضاف إلى عمائرها الدينية باسمه فناء إلى جنوب معبد خنسو، وقيل عنه في نقوش المعبد إنه البذرة المقدسة لسيد الأرباب، ونسله البهي الذي حملت به الربة موت ليصبح حاكمًا على مدار الشمس، واستعان بالسياسة، فلم يظهر عداء لكهنة الشمال، كما يفترض مونتيه أنه حدث في عهد سلفه، وإنما صادق زعيمهم فيه وهو نيسوبانب جدة، الذي ذكره المؤرخ مانيتون باسم سمندس، ثم ورث أغلب ألقابه ووظائفه لولده "بي عنخ" كبير الكهنة، ولكن دون بعض ما انتحله لنفسه من كنيات فرعونية٢. ولم يكن لهذه النهضة أي صدى في الخارج، وإنما صور تخلخل نفوذ مصر الخارجي حينذاك كاهن مصري مثقف يدعى ونآمون خرج من مصر إلى الشام لاستيراد أخشاب أرز من أجل مركب الإله آمون رب الدولة والإمبرطورية في الدولة الحديثة، وكان أمثال ونآمون من الرسل يجدون الترحاب حيثما حلوا، أما هو فقد وجد الصدود حيثما نزل، وعز عليه أن يجد بين الطوائف الجديدة في الشام الأمن القديم الذي كفله المصريون والسوريون في أيام استقرارهم ومجدهم. وعندما عاد إلى وطنه كان أمينًا في تسجيل ما مر به وتحدث به أو سمعه بكل ما فيه من مرارة وأسى على سمعة وطنه٣.

وإلى جانب صبغتها التقريرية أو الإدارية تعتبر قصة ونآمون من عيون أدب الرحلات في العصور القديمة ونموذجًا لأسلوب الكتابة واللغة المصرية القديمة في عصورها الأخيرة، كما تحمل أكثر من شاهد على اعتزاز المصري الأصيل بقوميته وكرامة بلاده حتى في فترات ضعفها، ولباقته في مواجهة المصاعب وهو مغترب عنها.


١ Millard, Iraq, Xxxii, ١٩٧٠, ١٦٨-٩.
٢ Lefebvre, Op. Cit., ٢٠٥ F., ٢٧٢ F.; Jea, Xv, ١٩٤ F.; Zaes, ١٩٣٠, ١٢٩ F.; Jnes, ١٩٤٨, ١٥٧ F.; Kees, Herihor Und Die Aufrichtung Des Gottesstaates, ١٩٣٦; Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, ١٩٦١, ٣٠٢ F.
والغريب أن ياروسلاف تشرني مساعد الأستاذ جاردنر قد كرر آراءه في المرجع السابق عن شخصية حريحور وزمنه في مقال تال عام ١٩٦٥ دون أن يشير معها إلى اسم أستاذه الذي كان قد توفي ذلك الحين.
See, The Cambridge Ancient History, Revised Edition Of Vol. I, Ch. Xxxv, ١٩٦٥, ٣٢ F.
٣ Gardiner, Late Egyptian Stories, ٦١ F.; J. Wilson, In Anet. ٢٥ F.; Lefebvre, Chr. D’egypte, ١٩٣٦, ٩٧ F.
وعن توقيت قصة ونآمون بنهاية عصر الأسرة العشرين، وليس بعصر الأسرة الحادية والعشرين كما كان شائعًا بين المؤرخين:
See, Gardiner, Egypt Of The Pharaohs, ٣٠٦ F.
ومرة أخرى أخذ تشرني هذا الرأي عن أستاذه ولم يشر إلى مصدره في مؤلفه الذي تلاه.

<<  <   >  >>