حينئذ ماء الغرب كالأرباب الذين يوجدون فيه، وأردف الأمير مؤمنًا على قوله أو متهكمًا بما قد يعني: هذه لفتة حق قلتها لي.
وأضاف ونآمون: أما عن كل ما ذكرته لي فإني إذا بلغت بلدي حيث يوجد كبير كهنة آمون ورأى بضاعتك، "فإن بضاعتك هذه هي التي سوف تجلب الخير لك".
ومضى ونآمون على شاطئ البحر حيث الأخشاب موسقة، ولكنه لمح لسوء حظه أحد عشر بحارًا من الثكر يتجهون إليه من ناحية البحر وهم يصيحون اعتقله ولا ترسل معه شاحنة إلى مصر. وهنا فاض الكيل بالرجل فجلس ودمعت عيناه، فقال له كاتب رسائل الأمير، وماذا بعد؟ فقال وفي نفسه غصة من طول تعويقه وبقلبه أمل وشوق للعودة إلى بلده: لا شك أنك رأيت الطيور المهاجرة وقد انطلقت إلى مصر مرتين، فانظر إليها وهي تهرع إلى بلد الماء الزلال، وأنا إلى متى أظل مهملًا هنا، وها قد رأيت من أتوا ليعتقلوني؟
ورجع الكاتب إلى الأمير وأخبره بالخبر، فأسف الأمير على ما سمع، وأراد أن يهون على ونآمون، فأوفد كاتبه إليه بزقي خمر وشاة، وبعث إليه بمغنيته المصرية تانت ني قائلًا لها: غنِّ له ولا تدعيه ينعي همًّا "وكان لبعض المصريات شهرة بالإنشاد الديني. ومنهن من كانت تشغل منصب كبيرة منشدات معبد بتاح في منف، وإذا صح أن تلك المغنية أو المنشدة كانت مصرية حقًّا وتشدو بلغتها فإن هذا يؤكد ما أسلفناه من قبل عن معرفة بعض أهل كل من مصر والشام بلغة بعضهم البعض، ليس في مجال المصالح التجارية والسياسية فحسب بل وفي مجالات الفنون مثلما يحدث الآن". وأرسل الأمير إلى ونآمون قائلًا، اطعم واشرب ولا تنع همًّا، ولسوف تسمع ما سوف أبلغك به غدًا. وفي الغد استدعى أعضاء مجلسه وتوسطهم مخاطبًا الثكر: ما هدفكم؟ فقالوا إنما أتينا نتتبع البحارة الذين تريد أن توفدهم إلى مصر مع من تطلبه. فقال لهم أما عن نفسي فلا أستطيع أن أعتقل رسول آمون في أرضي، فدعوني أرسله بعيدًا ولكن أن تتبعوه وتعتقلوه إن أردتم.
ورحل ونآمون بالسفينة في البحر حتى ألقته الرياح على أرض "جزيرة" أرس "أو الأسيا وهي قبرص". وكان كالمستجير من الرمضاء بالنار إذ اجتمع أهل المدينة ليقتلوه، ولكنه شق طريقه بينهم إلى حيث صادف "هاتيبا" أميرة أرس وهي تنتقل من أحد قصورها إلى قصر آخر، فحياها وقال لمن كانوا حولها لا بد أن بينكم من يفهم اللغة المصرية. ولحسن حظه قال أحدهم أعرفها، فقال له قل لسيدتي إني كنت أسمع في المدينة "طيبة" مقر آمون أنه وإن اتبع الظلم في كل بلد، فالعدالة تتبع في أرس، أفلا يتبع العدل هنا كل يوم؟ فقالت الأميرة "عن طريق مترجمها" ما معنى قولك؟ فقال أعني أنه إذا كانت أمواج البحر والرياح قد ألقتني هنا حيث توجدين، فيجب ألا تتركيهم يأخذوني ليقتلوني. فإنما أنا رسول آمون، وأنا مطلوب وإن طال الأمر. وراع بحارة جبيل الذين يودون قتلهم معي، فهؤلاء لا بد أن مولاهم سوف يقتل بهم عشرة من بحارتك. وجمعت الأميرة قومها فاصطفوا، وقالت له اقض الليل ههنا ... ". وهنا انتهى الجزء المدون من القصة على بردية يحتمل العثور عليها