للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبي سنبل وغيره"، ومعبد رمسيس الثالث "معبد حابو" في غرب طيبة. وانفرد كل معبد من هذه المعابد بميزاته. وانفرد كل منها كذلك بما دل به على جبروت أصحابه حين تصميم مشروعه وحين تنفيذه.

غير أن أكثر منشآت الرعامسة دلالة على نواحي الإعجاز في عصرها، هو بهو الأساطين الكبير في الكرنك. وبدأ مشروع بهو الأساطين هذا قبل رمسيس الثاني، فرعونان أو ثلاثة: أبوه سيتي الأول، وجده رمسيس الأول، وربما سلفه حورمحب أيضًا١، ثم أتمه المهندسون في عهده. وجمعوا فيه بين الجلال والجمال والضخامة المفرطة في سياق واحد، وجعلوه أضخم بهو من نوعه في العالم القديم. وأراد المهندسون الذين خططوا هذا البهو أن يجعلوا في وسطه ممرًا واسعًا تعبره المواكب الدينية والهيئات الرسمية في معبد آمون وخلال أعياده، فشيدوا في سبيل إظهار هذا الممر الأوسط وفي سبيل تحديده، صفين هائلين من أساطين حجرية ضخمة شاهقة، يتجاوز ارتفاع كل أسطون منها عشرين مترًا ويبلغ قطره أكثر من عشرة أمتار، ويشبه تاجه هيئة زهور البردي المتفتحة. ويبلغ من سعته، أي سعة تاجه أنه يتسع لوقوف عشرات من الناس فوقه. وهكذا أصبح الممر الأوسط الكبير يقسم البهو إلى جناحين، تبلغ مساحتهما أكثر من خمسة آلاف متر مربع. وشاد المهندسون في كل من الجناحين عشرات من الأساطين المرتفعة بدت في مجموعها كأنها نباتات ضخمة باسقة متراصة، وشكلوا تيجانها على هيئة أكمام البردي المتضامنة المقفولة، وقللوا ارتفاع سيقانها عن ارتفاع سوق أساطين الممر الأوسط، رغبة منهم في أن يجعلوها تفسح بما بينها وبينها من فوارق الارتقاع سبيلًا لمنافذ النور والهواء، وسبيلًا لتنوع المسطحات. ثم نشروا الألوان والأصباغ على أسافل الأساطين وتيجانها. ووزعوا الزخارف والنقوش الملونة على السقوف والأعتاب كي تخفف من رهبة المكان وتخلع عليه نصيبًا من روح البهجة وطابع الجمال.

وإذا كان هذا هو شأن جزء واحد من أحد معابد طيبة بالصعيد في عهد رمسيس الثاني، ففي النوبة، وعلى مبعدة ما يقرب من ألف ميل من عاصمته برمسيس، قام معبد لنفس الفرعون، هزت أخباره أفئدة محبي الآثار والحضارات القديمة منذ سنوات قليلة، وهو معبد أبي سنبل٢، ومرة أخرى نرى مجد المجهولين الذين كدوا في هذا المعبد بالجهد والمهارة يكاد يعادل مجد فرعونهم أو يزيد، فقد نقروه كأنهم الجان شاهقًا عميقًا متسعًا في بطن الجبل، وشكلوا واجهته الصخرية المتسعة بما يحقق التناسق بين عناصرها ويحقق التآلف بينها وبين البيئة الجبلية التي تصدرتها وبين مجرى النيل الواسع الذين تطل عليه. ونحتوا في هذه الواجهة وفي صخر الجبل نفسه أربعة تماثيل هائلة لرمسيس يزيد ارتفاع كل منها عن ١٩ مترًا على الرغم من أنها تمثله جالسًا، وحققوا نسبها كاملة وملامح وجه صاحبها صادقة على الرغم من ضخامتها والاكتفاء فيها بالخطوط العامة. وجعلوا محور المعبد مستقيمًا من الشرق إلى الغرب حتى تصافح أشعة الشمس كل صباح


١ Vandier, Op, Cit., T. Ii, ٩٢٤ And References.
٢ يفترض ولتر إمري أن مشروع بناء هذا المعبد قد بدأ في عهد سيتي الأول.
W.B. Emery, Egypt In Nubia, ١٩٦٥, ١٩٣.

<<  <   >  >>