للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشغلت مناظر الحرب في هذه المعابد جدرانًا عظيمة الاتساع عظيمة الارتفاع١، صور الفنانون عليها مخيمات الجنود، وتحركات الجيوش، وصوروا فيها مراحل الكر والفر، وتصادم العربات، وإقدام الخيول وكبوها. وصوروا القتال بالسيوف والحراب، والتراشق بالنبال. وصوروا تطويق الحصون ومهاجمتها وتسلق جدرانها ونقب أسافلها. وصوروا تكالب العدو وفشل مسعاه، وصوروا تراكم القتلى، وسوق الأسرى. وحاولوا أن يظهروا ذلك كله في وحدة متصلة يموج بعضها في بعض دون خطوط تحدها، أو صفوف تفرق بينهما٢.

وأضاف أولئك الفنانون مزيدًا من التفاصيل والتأثير في بعض لوحاتهم، فبالغوا أحيانًا في تصوير ذعر العدو وهلعه، وأساه وجزعه، ورجائه وابتهاله، وخضوعه وامتثاله. وصوروا ضحايا الأعداء وهم يعانون سكرات الموت وقوسة الاحتضار. وأظهروا ساحة المعركة بعد خلوها قفرًا موحشًا، اجتثت الحرب أهلها من فوق الأرض كما اجتثت شجرها سواء بسواء. ولم يقل هذا التفصيل في تصويرهم لدقائق المعارك البحرية في عهد رمسيس الثالث.

وشغلت مناظر صيد البر حين ذاك نفس المسطحات الواسعة، وخيرها هو ما صوره فنان الأسرة العشرين أيضًا لفرعونه رمسيس الثالث على جدار واسع من جدران معبد حابو، فقد صور الفرعون يصيد الثيران الوحشية٣، وبلغ الغاية في تصوير حماسه خلال الصيد، وتصوير عدو الثيران أمامه في جنون بين حنايا دغل ضيق. ثم صور مظاهر الألم الممض في وجه ثور ضخم بعد أن أدمته السهام وجرحته الحراب. ووفق في تصوير الدغل بنباتاته التي ألقت ظلالها عليه وأظهرت عمقه، وتمايلت تحت ضغط الثيران الهاربة فيه.

وعلى نحو ما سجل المصورون نشاط ملوكهم في الحرب والصيد، أكثروا من تسجيل مظاهر تقواهم وقربهم من أربابهم، ليجمعوا بين الدين والدنيا، فسجلوا على جدار واحد بمعبد الكرنك اثنين وعشرين وضعًا للفرعون سيتي الاول وهو يحيي ربه ويدعوه ويسبحه ويقدم القرابين إليه، وذلك ما لم يتعوده المصورون من قبل في غير القليل النادر.

وشغلت أساليب النقش والتصوير مجالاتها في مقابر الفراعنة والأمراء وكبار الأفراد في منطقة غرب الأقصر. وبلغت ذروة عالية من جمال التصوير ورقته، ونعومة النقش ونقاوته، وحيوية التلوين والتعبير، ودقة التفاصيل، فيما صورته من حياة أهلها في الدنيا وما يتمنون أن يكونوا عليه في الآخرة.

وعبرت عمارة الرعامسة عن ميول الضخامة والروعة في عصرها. وخير ما بقي منها هو معبد سيتي الأول في أبيدوس، ومعبد الرمسيوم لرمسيس الثاني في غرب طيبة، ومعابده المنحوتة في صخور النوبة "في


١ Wresz, Atlas, ٩٠ F.; L.D., Iii, ١٥٣ F.
٢ بدأ هذا الاتجاه في تصوير المعارك الحربية على جانبي عربة تحوتمس الرابع ولكن على نطاق ضيق.
٣ Von Bissing, Op. Cit., Taf. ٩٢.

<<  <   >  >>