للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منطقتين مناسبتين للاستثمار الزراعي والنشاط التجار، فضلًا عن قربهما من الصحراء الغربية التي كان هؤلاء النزلاء يحنون إليها، وانتسبت أكبر أسرهم في أهناسيا إلى جد يدعى بيواوا "أو بويو واوا" تعاقب بعض أولاده وأحفاده على كهانة معبود المنطقة المصري "حريشف"، ثم تزعمهم في أواخر عصر الأسرة الحادية والعشرين أمير يدعى شاشانق حدث اعتداء على قبر ولده نمرود في أبيدوس خلال تولي بانجم رئاسة كهنوت آمون في طيبة، فلم يقنع شاشانق بالشكاية إليه واستعان بملك تانيس الذي قيل إنه صحبه إلى وحي آمون وقد أفتى الوحي لمصلحته، وأرضاه الملك بأن أذن له بوضع تمثال لولده في معبد أوزير في أبيدوس، وزادت أهمية أسرة شاشانق في حياة حفيده الذي تسمى شاشانق أيضًا وحمل لقب كبير المشاوش أمير الأمراء، وكان على رأس حزب كبير يعمل له حسابه ويترضاه الفرعون نفسه. وبلغ من ثرائه أن أوقف على مقصورة تمثال أبيه نمرود بن السيدة محت وسخة مائة أرورة زراعية وحديقة كبيرة، وعين لها ٢٥ من الأرقاء لحراستها، بمعاونة الفرعون "بسوسينيس" الثاني "أو الثالث" المادية والأدبية١، ثم زوج ابنه من ابنة هذا الفرعون الأميرة ماعت كارع، وبفضل هذه المصاهرة وبفضل قوة حزبه مع ضعف حزب الفرعون، كفل لنفسه ولولده "وساركون" وراثة عرش لم يكن يحلم به، وهو عرش مصر، وجعل حاضرته في بوباسطة بشرق الدلتا قرب العاصمة القديمة برر عمسسو، في مقابل اطمئنانه فيما يبدو إلى ولاء غرب الدلتا له وانتشار حلفائه وأقربائه على حدوده. وهذا ضمن انتقال الحكم إليه في ظروف طبيعية وضمن مهادنة بقايا الأسرة السابقة فاحترم ذكرى آخر ملوكها٢، بل وادعت نصوص بع خلفائه قرابتهم للرعامسة وتلقب أغلبهم بمثل ألقاب الرعامسة: وسر معات رع، وستبن رع، وستبن آمون. وأصبحت أهناسيا مقر إمارته القديمة إقطاعًا لفرع من أسرته ولي أمورها المدنية والدينية واتسع بحدودها. أما الصعيد فتردد في التسليم بسلطان الحكم الجديد أمدًا ثم سلم بالأمر الواقع. ويبدو أنه حدث حين ذاك أن غادر بعض كبار كهنة طيبة مدينتهم أنفة من الخضوع لأصحاب الأصول الغريبة واتجهوا إلى أطراف الحدود المصرية الجنوبية قرب الشلال الرابع.

وهكذا أصبحت السمة الغالبة على تكوين الأسر المالكة الجديدة وبطانتها وأعونانها، هي أنها ذات أنساب مهجنة جمعت بين دماء بعض أمراء الصحراء الغربية الأصليين وبين دماء بعض الأميرات المصريات من سليلات الأسرة الملكية الحادية والعشرين، وبين دماء بعض أمراء الشعوب المهاجرة التي سميت اصطلاحًا باسم شعوب البحر وتوافدت هجراتها المتقطعة عن طريق البحر المتوسط وجزره إلى شمال إفريقيا منذ أواخر القرن الثالث عشر ق. م وما تلاه.

وقد جرت أغلب المؤلفات الحديثة على تسمية العناصر الحاكمة في عهود الأسرات ٢٢ - ٢٤ بالليبيين. ويرى التعقيب التالي أن وصفهم بالمهجنين أصح من تسميتهم بالليبيين، وذلك بناء على عدة أسباب: فهم أولًا لم يكونوا من عنصر واحد بحيث تصدق عليهم تسمية واحدة، وهم ثانيًا قد غلبت عليهم سمات المشاوش


١ Blachman, Jea, Xxvii, ٨٣ F.; P. Montet, Tanis, Paris, ١٩٤١.
٢ Cairo, ٤٢١٩٢; Kec. Trav. Xxxviii, ١٠.

<<  <   >  >>