للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يظهر اسم ربو أو الليبيين في النصوص المصرية القديمة قبل عهد رمسيس الثاني في القرن الثالث عشر ق. م، ليس كدولة أو شعب، وإنما كقبيلة وجنود مرتزقة. وذكرت نصوص ولده مرنبتاح ما سبق الاستشهاد به من أن شدة القحط في الصحاري دفعتهم مع خمس قبائل أخرى بقضهم وقضيضهم إلى أن يجتازوا البراري ليصلوا إلى أراضي الدلتا الخصيبة، لولا أن لاقاهم جيشه وأفشل مساهم، وكان ذلك من بواعث فخره. وتكرر شغب المهاجرين في عهد رمسيس الثالث على نحو ما جرى ذكره في حينه، وشجعتهم أو دفعتهم أمامها هجرات قبلية أخرى، وترأسهم الشيخ كابور وولده مشاشار، فاكتسحوا أرض ثنحو ووصل تسربهم إلى ما وراء الفرع الكانوبي للدلتا، إلى أن صدتهم القوات المصرية وأسرت مشاشار ابن قائدهم وسفكت دمه. ثم مالت بعض الجماعات القبلية من هؤلاء وهؤلاء إلى إيثار السلم وعاشت على الأطراف الصحراوية وفي الواحات مثل الواحة الداخلة، واختلطت بأهلها القدامي ... ولونت حياتها البدوية شيئًا فشيئًا بطابع الحياة المصرية وعمل بعض أفرادها جنودًا مرتزقة في الجيوش المصرية. ويبدو أن بطونًا أخرى من قبائل ربو وما شابهها من القبائل كانت قد نزلت من قبل نواحي برقة وطرابلس واستقرت فيها على مبعدة من أولئك الذين استقروا على الحدود والواحات المصرية، وكانت أشد أثرًا منهم حيث خلعت اسمها ومسماها على الأرض التي نزلتها هناك ولا تزال تعرف به حتى الآن.

وصورت المصادر المصرية بعض الربو بشعور حمراء وعيون تميل إلى الزرقة وجدائل تصل إلى الكتفين، وقد اعتادوا الوشم على الذراعين وربما على الساقين أيضًا، وكان عظماؤهم يرتدون نقبة ورداء مزركشًا يغطي كتفًا واحدة، ولا يختتنون. وذلك مما يشهد بأصولهم الطارئة على البيئة التي نزلوا فيها.

أسلفنا القول بأن ذكر الربو قل شيئًا فشيئًا في أوائل العصور المتأخرة وزاد عنه ذكر قبائل مشوش. وكان هؤلاء أقدم عهدًا منهم بحيث ذكرتهم مصادر عهد أمنحوتب الثالث في القرن الرابع عشر ق. م، وكانوا يلبسون قراب العورة واعتادوا الختان، ربما تأثرًا باعادات المصرية ودليلًا على تشبعهم بها نتيجة لطول اتصالهم بالمزارعين على المناطق الحدودية. وقد انتسبت أكبر أسرهم في إقليم أهناسيا إلى الجد بيواوا أو بويو واوا الذي تعاقب بعض أولاده وأحفاده على كهانة المعبود المصري حريشف١.

وإذا كان لا مناص من الاعتراف بأن أسماء ملوك العصر مثل شاشانق "الذي ذكر في الآشورية بصيغة شوشنقو، وفي العبرية شوشق وشيشق، وفي الإغريقية سيسونخيس"، وأسماء وساركون وثكرتي وما إليها، هي أسماء ذات جرس غريب من الأسماء المصرية المألوفة، وتصعب ترجمة مدلولاتها، إلا أن كلًّا منهم قد جرى في صياغة ألقابه الملكية الأربعة الأخرى على نسق الطابع المصري الموروث، فصاغوها على مثال ألقاب الملوك الرعامسة وتلقب أولهم بلقب أول ملوك الأسرة الحادية والعشرين السابقة لعصرهم، وترجموا في هذه الألقاب عن ولائهم للأرباب المصريين الكبار رع وآمون وإيسة وباسطة تدليلًا على استغراقهم


١ دريوتون - فاندييه: مصر - ص٥٧٤.
Holscher, Op. Cit., ٣٢ F.; Gardiner, Op. Cit., ١٢٠ F.; Breasted. Ar, Iv, ٧٨٥ F.

<<  <   >  >>